فقال لها متعجبا: «ما كنت أحسب أن كتابة الرسائل بمثل هذه السهولة! فقد كنت أتخيل أن من يريد كتابة رسالة جدير أن يملأها بألفاظ لغوية، وجمل منمقة لا يقدر على الإتيان بها إلا كبار البلغاء وأساطين الكتاب!»
فقالت له: «لا حاجة بك إلى شيء من هذا، وليس عليك إلا أن تكتب ما تشعر به بأسلوب واضح، وكلمات سهلة بسيطة!» •••
ولعلك تتبين من هذا المثال الخطة التي أريد أن أرسمها لك لتنتهجها في فن الإنشاء.»
الطالب : «وما رأي سيدي الأستاذ في القواعد النحوية، والتمارين الصرفية وما إلى ذلك، ألست مضطرا إلى معرفتها؛ لمراعاتها أثناء الكتابة؟»
المدرس : «كلا، لست في حاجة إلى ذلك كله؛ فستعرف الشيء الكثير منها أثناء الطريق. وأنت - إذا ملأت ذهنك بتلك القواعد في هذه المرحلة، وشغلت نفسك بها - كان مثلك كمثل من يود أن يتعلم المبارزة فيذهب إلى قاعة التمرين حيث يقلدونه حساما؛ فيترك العناية بما جاء لأجله من التدريب إلى الاشتغال بالنظر إلى حسامه وكيفية وضعه، وربما عثر به أثناء التفكير فيه.
يجب أن ينصرف عقلك - أثناء الكتابة - إلى الموضوع الذي تكتبه، وألا يبقى في ذهنك أي فراغ للتفكير في قواعد النحو، والصرف، والبيان حتى لا يشغلك ذلك عن متابعة المعنى، وتقصيه، وتخير الأسلوب الملائم الذي يؤديه أحسن أداء».
الطالب : «ولكنني - إذا فعلت ذلك - وقعت في أغلاط لغوية، ونحوية!»
المدرس : «قد يكون هذا، ولكنك - بلا شك - ستقرأ موضوعك بعد أن تتم كتابته، وهذه فرصة حسنة تعنى فيها بتصحيح ما وقعت فيه من الأخطاء! أما وقت الكتابة فيجب أن ينصرف عقلك إلى التفكير في الموضوع الذي تتصدى للكتابة فيه!»
الطالب : «وما رأي سيدي الأستاذ في تمارين الإعراب والتطبيق - وما إلى ذلك - أليست تساعدني على التفوق على أقراني في الإنشاء؟ ألا ترى فيها مرشدا لي؟»
المدرس : «بل أرى فيها شر مرشد يا ولدي، ويجدر بي أن أوضح لك ما أعنيه في هذه النقطة الدقيقة، وأن أجلي لك وهما يقع فيه كثير من أقرانك:
Página desconocida