Ulum al-Hadith wa Mustalah
علوم الحديث ومصطلحه
Editorial
دار العلم للملايين
Número de edición
الخامسة عشر
Año de publicación
١٩٨٤ م
Ubicación del editor
بيروت - لبنان
Géneros
قيل لشُعبة بن الحجاج: ما لك لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان وهو حسن الحديث؟ فقال: «مِنْ حُسْنِهَا فَرَرْتُ»! (١).
والفرار من التحديث بالغريب كان أصدق تعبير عن تخوف العلماء من التدليس الذي يقع فيه رُواة الغرائب والمناكير ساهين أو مُتَعَمِّدِينَ، فإنَّ أمثال هؤلاء الرواة أكثر تعرضًا لضروب التدليس من سائر المُحَدِّثِينَ: إذ يركبون الأهوال في طلب الحديث ملتمسين غرابته قبل صحته، باحثين عن ندرته قبل اتصال سنده، ليباهوا به الخاصة ويتعالوا به على العامة، من أجل ذلك استخفَّ النقاد بهم ولم يقيموا لهم وزنًا، وطعنوا في عدالتهم وَرَمَوْهُمْ بالكذب مصداقًا لقول الإمام أبي حنيفة: «مَنْ طَلَبَ غَرِيبَ الحَدِيثِ كُذِّبَ» (٢).
وتجريح النُقَّاد للمدلس في الحديث طلبًا للغرائب وحرصًا عليها يبدو أمرًا طبيعيًا، فما أسرع الفضيحة إلى المدلس يكشف بها الستر عن نفسه (٣)! حتى إذا افتضح وعُرِفَ عنه الكذب كان من عقوبته أنْ يردَّ عليه صدقه ولا تذكر محاسنه (٤)، ولا يقبل حديثه بعد ذلك أبدًا (٥).
والمدلِّسون في الحديث تباهيًا ورئاء الناس كانوا أَحْيَانًا من أوقح من رأتْ
_________
(١) " الجامع ": ٧/ ١٢٧ وجه ٢.
(٢) " الجامع ": ٨/ ١٤٦ وجه ١.
(٣) كما قال سُفيان الثوري (- ١٦١ هـ): «مَنْ كَذَبَ فِي الحَدِيثِ افْتَضَحَ». " الكفاية ": ص ١١٧.
(٤) وقد رَوَوْا عن عبد الله بن المبارك (- ١٨١ هـ) أنه قال: «مِنْ عُقُوبَةِ الكَذَّابِ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ صِدْقُهُ»، ورأى غيره أنَّ «مِنْ عُقُوبَةِ الفَاسِقِ المُبْتَدِعِ ألاَّ تُذْكَرَ لَهُ مَحَاسِنَهُ». انظر: " الكفاية ": ص ١١٧.
(٥) " الكفاية ": ص ١١٨.
1 / 69