عندئذ أمرت بقية رفاقي الأوفياء، أن يبقوا بجانب السفينة لحراستها، واخترت اثني عشر رجلا من خير رفاقي وانطلقت في طريقي، وملأت قربة من جلد الماعز بالخمر الصهباء الحلوة المذاق، كان قد أعطانيها مارو
Maro ، ابن يوانثيس
Euanthes ، كاهن أبولو، الرب المكلف بحراسة إسماروس
Ismarus ، أعطانيه لأننا قمنا بحمايته، هو وزوجه وطفله، من قبيل التبجيل؛ إذ كان يعيش في كهف خشبي لفويبوس أبولو
. كذلك أهداني هدايا رائعة؛ فمن الذهب المصنوع بمهارة، قدم لي سبع تالنتات، وأعطاني طاسا من اللجين، وعلاوة على ذلك أعطاني خمرا، ملء اثنتي عشرة قدرا، خمرا حلوة نقية، غير مخلوطة، شرابا مقدسا، دون علم أي فرد من عبيده أو خادماته، بل كان يعلم به هو نفسه وزوجه العزيزة، وإحدى خادمات المنزل، ليس غير. وكانوا كلما شربوا من تلك الخمر التي في حلاوة العسل، ملئوا كأسا واحدة، وسكبوها في عشرين كأسا من الماء ، فتنبعث من الطاس رائحة طيبة ذكية، وعندئذ كان يحق للمرء ألا يكف عن الاحتساء، فملأت قربة من جلد الماعز بهذه الخمر، وكانت قربة كبيرة الحجم، وكذلك ملأت كيسا بالمئونة؛ إذ كان يتملكني إحساس، في داخل نفسي، بأنه سرعان ما سيأتي إلي رجل عتيد القوة، متوحش لا يعرف شيئا عن العدالة أو القانون.
7
أوديسيوس في كهف العملاق بولوفيموس
سرعان ما بلغنا الكهف، فلم نجد العملاق بداخله؛ إذ كان يرعى قطعانه السمينة في الحقول؛ ومن ثم دخلنا الكهف وطفنا نتعجب من كل شيء وقع عليه بصرنا هناك. كانت السلال مملوءة بالجبن، والحظائر تعج بالحملان والجداء. كل نوع بمفرده داخل سياج؛ الحملان غير البالغة وحدها، وكذلك الحملان البالغة في مكان آخر وحدها، وأيضا الحديثة المولد. وكانت الجرار الحديثة الصنع مملوءة بالشرش، وكذلك الدلاء والطسوت التي يحلب فيها اللبن، فلما رأى رفاقي ذلك، أشاروا علي بأخذ بعض من الجبن، والانصراف، ثم أسرع في قيادة الجداء والحملان داخل الحظائر إلى السفينة السريعة؛ ومن ثم نبحر عبر الماء الملح. بيد أنني لم أستمع لنصحهم - ويا ليتني فعلت؛ إذ كان هذا خيرا لنا، أي خير - رغبة في رؤية الرجل نفسه، وطمعا فيما عسى أن يعطينيه من هدايا التكريم. غير أن ظهوره، كما حدث، لم يكن منه أي غبطة لزملائي.
بعد ذلك أشعلنا نارا، وقدمنا ذبيحة، وتناولنا، نحن أنفسنا من الجبن، فأكلنا، ثم جلسنا ننتظر العملاق داخل الكهف، حتى عاد يسوق قطعانه. وكان يحمل مقدارا ضخما من الخشب الجاف؛ ليستخدمه في إعداد عشائه، وقذف به من فوق ظهره، إلى داخل الكهف، محدثا صوتا مدويا، فاستبد بنا الفزع، وانكمشنا في إحدى زوايا الكهف، بينما كان يدفع قطعانه السمينة إلى داخل المغارة الواسعة؛ سائر الإناث التي كان يحلبها. أما الذكور - الكباش والماعز - فقد تركها خارج صحن الكهف المترامي الأطراف. وبعد ذلك رفع صخرة الباب الضخمة، ووضعها في مكانها، ويا لها من صخرة بالغة الكبر، تنوء برفعها عن الأرض اثنتان وعشرون عربة ذات أربع عجلات، من العربات المتينة! إنها كتلة هائلة من الصخر، تلك التي وضعها أمام المدخل. وبعد ذلك جلس يحلب النعاج والماعز الثاغية، كلا بدوره، ووضع تحت كل أنثى صغيرها. وفي الحال خثر نصف اللبن الناصع البياض، ووضعه في سلال من غصون الصفصاف، وحملها بعيدا. أما النصف الآخر فوضعه في أوعية ليتمتع بأن يعب منه في عشائه. وهكذا شغل بإنجاز مهامه ثم عاد يشعل النار، فوقع بصره علينا، فسألنا قائلا:
المعركة الكلامية بين العملاق وأوديسيوس «من أنتم أيها الغرباء؟ ومن أين قدمتم بحرا عبر المسلك المائية؟ ألغرض بعينه جئتم، أم مجرد تجوال تقومون به فوق صفحة اليم كما يجوس القراصنة، مغامرين بحياتهم لجلب الأذى على أقوام البلاد الأخرى؟»
Página desconocida