188

La Odisea

الأوديسة

Géneros

أوديسيوس في بلاد العمالقة

وهكذا أبحرنا من هناك، والحزن يملأ قلوبنا، وبلغنا بلاد الكوكلوبيس، أولئك القوم المتغطرسين الذين لا يخضعون لأي قانون، بل جل اعتمادهم على الآلهة الخالدين، لا يغرسون بأيديهم نبتا، ولا يحرثون أرضا، بل تنمو كل مزروعاتهم دون بذر ولا حرث، القمح والشعير والكروم الحاملة لعناقيد الخمر الغنية، كما يهبهم زوس المزيد بأمطاره. إنهم لا يعقدون اجتماعات للتشاور، ولا يتبعون قوانين محدودة، بل يعيشون فوق ذؤابات الجبال الشامخة، في كهوف واسعة، وكل منهم يسن القوانين لأطفاله وزوجاته، ولا يسلب أحدهم الآخر شيئا.

والجزيرة هناك مستوية

5

تمتد خارج الميناء بانحراف، وليست قريبة من أرض الكوكلوبيس، كما أنها ليست بعيدة عنها. إنها جزيرة كثيرة الغابات، تكثر فيها المعيز المتوحشة التي لا حصر لها؛ إذ لا يخيفها سير الناس ولا يبعدها عنهم، كما أن الصيادين لا يذهبون إلى هناك، أولئك الرجال الذين يتجشمون المتاعب خلال الغابات، وهم يشقون طريقهم فوق قمم الجبال، وإنها غير محتلة بقطعان الماشية، وليست مفلوحة، بل تظل غير مزروعة ولا مفلوحة طوال الأيام، لا تعرف شيئا عن البشر، ولكنها تطعم المعيز الناغية؛ لأن الكوكلوبيس لا يملكون أية سفن قرمزية الخدود.

6

كما أن بلادهم خالية تماما من صانعي السفن الذين يبنون السفن المكينة المقاعد، التي تنجز لهم سائر مطالبهم، وهم ينتقلون إلى مدن أقوام آخرين، كما يحدث عندما يعبر الناس البحر على متون السفن للتزاور - الصناع القادرون أن يجعلوا من تلك الجزيرة موطنا جميلا - فإن الجزيرة ليست بأي حال فقيرة، ولكنها تؤتي كل شيء في أوانه؛ فبها مروج بجانب شواطئ البحر السنجابي، مروج جيدة الري ناعمة، حيث لا تكف الكروم عن النمو، وبها أرض حرث مستوية، يستطيعون منها أن يحصدوا الغلات الوفيرة من موسم إلى موسم؛ إذ إن التربة أسفل السطح خصبة كل الخصب، وكذلك بها ميناء يسهل إرساء السفن بها في أمان، دون حاجة إلى المراسي، إما بإلقاء مرساة من البحر، أو بتثبيت الكوثل بالحبال، فيمكن للمرء إرسال سفينته على الشاطئ وينتظر حتى ينتوي البحارة الإقلاع، وتهب الريح المعتدلة. وينبثق من الأرض عند رأس الميناء عين ماء نمير، من تحت كهف، وتنمو حوله أشجار الحور، فأبحرنا إلى هناك. وقد أرشدنا أحد الآلهة خلال الليل الداجي؛ إذ لم يكن يرى هناك أي ضوء، بل كانت تحط على السفن غمامة كثيفة، ولم يرسل القمر أي نور من السماء، بل بقي محتجبا خلف السحب؛ ولذلك لم تبصر عين أي رجل تلك الجزيرة، ولم نشاهد اللجج الطويلة وهي ترتطم بالشاطئ إلا بعد أن سحبنا سفننا القوية المقاعد فوق الساحل. وبعد أن أخذناها فوق الشاطئ، خفضنا سائر الأشرعة، ونزلنا بأنفسنا فوق شاطئ البحر، حيث استسلمنا إلى النوم وانتظرنا مقدم الفجر اللامع.

ما إن هتك الفجر المبكر الوردي الأنامل حجب الظلام، حتى شرعنا نجوس خلال الجزيرة وقد عجبنا منها، وقامت الحوريات بنات زوس، حامل الترس، بإثارة معيز الجبل، كي يستطيع زملائي أن يأخذوا منها ما يعدون به طعامهم. وفي الحال تناولنا قسينا المعقوفة، وسهامنا الطويلة من السفن، وبعد أن انتظمنا في ثلاث فرق، أنشأنا نضرب، وسرعان منا وهبنا الرب فرائس تشبع جوعنا. كانت السفن التي تتبعني اثنتي عشرة سفينة، فسقط لكل منها تسع عنزات، قسمناها بالاقتراع، أما أنا فكان نصيبي عشر عنزات انتقوها لي.

وهكذا مكثنا اليوم بطوله حتى غربت الشمس، جالسين هناك نولم على لحم وفير وخمر لذيذة؛ إذ لم تكن الخمر الصهباء قد نفدت من سفننا بعد، بل كان لا يزال منها لدينا بقية؛ لأننا كنا قد وضعنا منها خزينا وافرا في قدور، لكل فريق من الملاحين، يوم أن استولينا على قلعة الكيكونيس المقدسة، ثم اتجهنا بأبصارنا إلى بلاد الكوكلوبيس، القاطنين بقربنا، ولاحظنا الدخان، وصوت الرجال والخراف، والماعز. ولما اختفت الشمس وراء الأفق، وخيم الظلام على الكون، استلقينا فوق شاطئ البحر طلبا للراحة. وما كاد الفجر الباكر الوردي الأنامل يلوح في أفق السماء، حتى ناديت رجالي، وجمعتهم سويا، وتحدثت في وسطهم جميعا، فقلت: «انتظروا هنا الآن، يا جميع الباقين، يا زملائي الأوفياء ، بينما أنطلق بسفينتي وبحارتي، إلى أولئك القوم، لأستطلع من يكونون، وهل هم من الأفظاظ، المتوحشين الظالمين، أم ممن يحبون الغرباء، ويتقون الآلهة في قرارة نفوسهم.»

وبعد أن أتممت حديثي ذاك، صعدت إلى ظهر السفينة، وأمرت رفاقي بالصعود كذلك، وبحل حبال الكوثل، فأذعنوا للأمر، وامتطوا صهوتها فورا، واستووا في مقاعدهم. وبعد أن اعتدلوا في مجالسهم بنظام، وأخذوا يضربون البحر السنجابي بالمجاذيف، فلما بلغنا المكان، وكان قريبا جدا من البحر، أبصرنا كهفا شاهقا، مسقوفا بفروع أشجار الغار. ورأينا هناك كثيرا من قطعان الأغنام، والماعز، كانت نائمة معا في حظيرة واحدة. ومن حول الكهف ساحة عالية، مشيدة في الصخور المغروسة عميقا في الأرض، والمدعمة بأشجار الصنوبر الباسقة، وأشجار البلوط ذوات القمم الشاهقة. وكان هناك رجل ضخم عملاق، ينام في ذلك الكهف، وكان يرعى قطعانه بمفرده في مكان قصي، ولم يكن يختلط بغيره، بل يعيش في عزلة، يؤمن في قلبه بعصيان القانون؛ لأنه كان قد خلق وحشا غريبا، ولم يشبه الإنسان آكل الخبز، بل كان أشبه بقمة شامخة لجبل ضخم، كثيرة الغابات، تعلو بارزة وحدها أمام الناظرين، ومنفصلة عن غيرها من الذؤابات الشامخات.

Página desconocida