Herencia y Renovación: Nuestra Posición sobre la Herencia Antigua
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Géneros
أما الظواهر السلبية فهي الظواهر التي لا أصل لها في النصوص الدينية والتي لا يمكن أن ترجع إليها، وبتعبير آخر هي الظواهر المتبقية والتي يرجع أصلها إما إلى التاريخ أو إلى أصول أخرى والتي لا يمكن إرجاعها إلى النص الديني، وتحدث هذه الظواهر السلبية عندما تفقد الظاهرة الفكرية تكامل عناصرها أو نتيجة لعمل الفكر نفسه، فإذا كان تحول النص الديني إلى معنى عقلي ظاهرة إيجابية لحياة حضارية ناشئة فإن ترسب هذا المعنى وسكونه في حضارة ما ظاهرة سلبية لحياة منتهية، ففي علم أصول الفقه تحول النص إلى حكم عن طريق منطق استقرائي ذي طابع عقلي صارم، متشبع بقسمة عقلية تتشعب إلى قسمة عقلية أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، فظاهرة التشعب الفكري ظاهرة سلبية وذلك لأن النص لم يعد معنى حدسيا عن طريق الفهم، وفي علم أصول الدين تحول المعنى المستخرج من النص إلى حجة عقلية، تنقسم إلى حجج ثانية، وهذه إلى ثالثة إلى ما لا نهاية، فظاهرة الاستدلال المستمرة ظاهرة سلبية لأن المعنى لم يعد مستخرجا من النص بالفهم الحدسي المباشر، صحيح أن التنظير ظاهرة إيجابية، ولكن تشعب التنظير وصوريته ظاهرة سلبية، وفي التصوف تحول معنى النص إلى وجدان على وجدان حتى انتهى إلى تحليلات لا تنتهي للشعور الإنساني في أدق جوانبه في حين أن النص الديني شعور ولكنه شعور يتجه نحو الفعل، وتشخيص العواطف والانفعالات وتجسيمها وتجسيدها ظاهرة سلبية كذلك لأن المعنى الشعوري يظل معنى ولا يتشخص إلا من عاجز عن تحقيق هذا المعنى كبناء مثالي للعالم، والرجوع إلى الداخل أو الصعود إلى أعلى ظاهرة سلبية ثالثة لأن معنى الوحي وإن كان يبدأ من الشعور الداخلي إلا أنه يتوجه نحو الخارج كي يتحقق كبناء اجتماعي، وهدفه هو تحقيق ذلك إلى الأمام وليس إلى أعلى، وقد يكون التصوف هو أكثر العلوم احتواء على الظواهر السلبية، وأخيرا في الفلسفة تحول النص إلى تصور للعالم محدد بالزمان والمكان، والنص الديني لا يساوي هذا التصور فإنه أقل حكما على العالم، وأكثر شمولا لجوانب أخرى، معنى السلب إذن هي المغالاة في الطابع العام للنمط الفكري، وهي نتيجة للفكر نفسه، فلا توجد حضارة تقدم ظواهر إيجابية دون أن تقدم معها ظواهر سلبية، وهذا هو معنى تحول الوحي إلى حضارة.
وقد ترجع الظاهرة السلبية إلى نقص في توازن الظاهرة الفكرية باعتبارها ظاهرة متكاملة تعبر عن معنى النص الديني وعن الوحي باعتباره بناء نظريا شاملا، كما تنتج أيضا من عمل الفكر في النص، والتاريخ في الوحي، فالنص في طبيعته حقيقة متكاملة تحوي تحليلا موضوعيا لجميع جوانب الواقعة التي يتعلق بها، والفكر بطبيعته ذو جانب واحد مهما دنا من نظرة متكاملة للأمور، يظل الفكر وجهة نظر ورأيا شخصيا مهما قيل في موضوعيته وحياده، ومعظم الانتقادات التي توجه من علم تقليدي إلى علم آخر توجه أساسا لهذه الظواهر السلبية باعتبارها خارجة عن معنى النص أو عن المعاني العامة للنصوص أي عن روح الشريعة وجوهر الوحي، فمثلا في علم أصول الفقه تحول مجموع النصوص إلى قوانين وأحكام مع أن المعاني العامة لهذه النصوص ليست مقصورة على ذلك، ومن هنا أتى هجوم التصوف على الفقه كله باعتباره حرفيا، خارجيا، مائتا، فارغا، عقيما، سطحيا، ساكنا ... إلخ، وفي التصوف تحول النص إلى وجدان وقلب، وحب وعشق، واتحاد وحلول مع أن النص ليس مقصورا على ذلك، ومن هنا أتى هجوم الفقهاء عليه باعتباره ذاتية، وظنا، وتجسيما، وتشبيها، وفي علم أصول الدين، تحول النص إلى معنى نظري أقل اتساعا من النص، وأكثر تحديدا لما لم يحدده النص مثل: الله، وخلق الأفعال ... إلخ، ومن هنا جاء الرفض للفرق الكلامية باعتبارها لا تمثل إلا أمزجة شخصية لمفكريها أو اختيارات سياسية لمواقف محددة، وفي الفلسفة تحول النص إلى معنى وإلى تأمل يؤدي إلى التقوى العقلية التي يتم بواسطتها تحويل النص كله إلى خاصة العقلاء وليس إلى جمهور المؤمنين، ومن هنا أتى هجوم الفقهاء على الفلسفة باعتبارها إعلاء للعقل على الحس، وللتقوى الباطنية على الأعمال الخارجية، فالعلوم العقلية تصحح ظواهرها السلبية بعضها بالبعض الآخر مع أنها كلها ردود فعل مشتركة بينها جميعا، وتكون مهمة «التراث والتجديد» حينئذ إبراز الظواهر الإيجابية، والقضاء على الظواهر السلبية في العلوم العقلية. (3) «التراث والتجديد» وقضية توحيد العلوم
بالرغم من أن التراث أعطانا علوما عقلية أربعة متمايزة هي الكلام والفلسفة والتصوف وأصول الفقه، إلا أن الغاية النهائية من «التراث والتجديد» هو توحيد العلوم كلها في علم واحد يكون مرادفا للحضارة نفسها، فالعلوم كلها تحاول فهم الوحي وتحويله إلى نظرية كما هو الحال في الكلام والفلسفة أو إلى منهج كما هو الحال في الأصول والتصوف، ولكن الغاية النهائية هو تحويل الوحي ذاته إلى نظرية أو إلى علم أو إلى منهج أو إن شئنا إلى «منهاج».
وتوحيد العلوم أمر ممكن لأن كل علم يشير إلى العلوم الأخرى بالمقارنة وغالبا بالتفنيد والنقد، ففي علم الكلام نقد للفلسفة خاصة فيما يتعلق بالأفلاك والمعاني والعقول وقدم العالم، وفيه أيضا نقد للتصوف وأفكاره عن الزهد والاتحاد والحلول، ويتضمن أحيانا بعض المباحث الفقهية والأصولية في خبر الواحد، والمباحث اللغوية والقياس والاجتهاد، وفي الفلسفة نجد إشارات مقتضبة إلى علم الكلام بالرفض لأنه ما زال علما تقليديا لا يفيد الذكي ولا ينتفع به البليد، يقوم على النص وليس على العقل الخالص، ما زال واقعا في التشبيه والتشخيص، ولم يستطع أن يتصور الله على أنه وجود، كما تشير الفلسفة إلى التصوف وتتحد بها في الإشراقيات خاصة عند الفارابي وابن سينا، ولكنها نادرا ما تشير إلى المباحث الأصولية إلا فيما يتعلق بمناهج التفسير، وأخذ جانب المجاز، والمتشابه، والمجمل، والمؤول، والمطلق وتفضيله على جانب الحقيقة، والمحكم، والمبين، والمقيد، والظاهر حتى يستطيع الفيلسوف تأويل النص بما يتفق مع العقل، وفي التصوف نجد إشارات مستمرة إلى الكلام والفلسفة والأصول بالرفض والتفنيد، فالله ليس كما تصوره علماء الكلام منزلها، والحقيقة ليست كما تصورها الفلاسفة عقلية مجردة أو كما تصورها الأصول على أنها شريعة بل الله عياني ، والحقيقة قلبية، والمعرفة كشفية، وأخيرا في أصول الفقه نجد إشارات أخرى إلى التصوف فيما يتعلق بالأحوال وكيف أنها لا تصح أن تكون سلوكا عاما للناس جميعا أو إشارات ثالثة إلى الفلسفة في بعض المباحث المنطقية، فوحدة العلوم ممكنة من خلال صورة كل علم في العلم الآخر.
وكثيرا ما يند عديد من المفكرين عن التصنيف مثل الغزالي، فهو ليس متكلما فقط ولا أصوليا فقط ولا منطقيا فقط ولا فيلسوفا فقط ولا صوفيا فقط، بل هو كل ذلك في نفس الوقت، وكأن وحدة الحضارة وعلومها تظهر من خلال وحدة الفكر وثقافته، وكذلك ابن تيمية، فهو ليس أصوليا فقط أو فقيها فقط أو منطقيا فقط أو متكلما فقط أو فيلسوفا فقط بل هو كل ذلك في آن واحد،
20
وكذلك ابن سينا، هل هو فيلسوف أم متصوف أم طبيب؟ وابن رشد، هل هو فيلسوف أم متكلم أم فقيه أم طبيب؟ وابن حزم، هل هو متكلم أم فقيه أم منطقي أم عالم نفس؟ وحدة الحضارة ممكنة إذن من خلال وحدة المؤلف.
وتوحيد العلوم أمر ممكن، فالتراث والتجديد مع أنه دراسة في الفكر إلا أنه يقوم على منهج فقهي بمعنى أنه يطبق على الفكر القياس الفقهي، ويعتمد على الاجتهاد في الفكر، فكل ما يتفق مع الصالح العام في التراث القديم يبقى ويثبت، وكل ما يخالف الصالح العام يرفض وينقد، فالصالح العام هو الأصل وأحد مصادر الشرع، بل إن الشرع ذاته قائم على أساس المحافظة على المصلحة التي سماها الأصوليون الضروريات الخمس: الدين، والحياة، والعقل، والعرض، والمال، «التراث والتجديد» دراسة فقهية يقوم بها فقيه في الحضارة الإسلامية ككل وليس في الفقه وحده، وقد كان هذا سلوك الفقهاء من قبل عندما كانوا يفتون في الفقه، ويضعون قواعد الأصول ثم يطبقون القياس الشرعي في الأفكار المتداولة في بيئتهم الثقافية في الكلام أو الفلسفة أو التصوف، وبهذا المعنى كان الفقهاء حراس المدينة، وكانوا هم الحريصون على أصالة القديم وجدته المستمرة، فتوحيد العلوم إذن قائم لحساب الفقه والأصول أي لحساب المصلحة العامة التي هي في نفس الوقت مقياس التراث، وأساس الوحي، ومطلب العصر.
وتوحيد العلوم أمر ممكن وذلك بأخذ كل ما أعطته العلوم التقليدية وما لبى مطالب العصر، فتأكيد الحرية في علم التوحيد، والعقل، والعمل، والشورى، كلها أفكار تعبر عن أهم ما أعطى علم التوحيد القديم وما يلبي نداءات العصر، وتشوقه نحو التحرر والعقلانية، والعمل، وحكم الشعب لنفسه، وتأكيد العقل وإمكانياته التي لا حدود لها في التفسير والفهم وهو أهم ما أعطته الفلسفة وهو في نفس الوقت تلبية لاحتياج العصر إلى عقلانية وتنظير، وتأكيد رسالة الإنسان في الحياة وإحساسه بالدعوة والغاية، وعمله لتحقيقها، ووهب حياته كلها لذلك، وهو أهم ما أعطاه التصوف، هو أيضا تأكيد لمطلب العصر، وتحقيق لإحساسنا بالرسالة، وقضاء على الترهل والانسياب والخواء السائد في العصر، توحيد العلوم إذن أمر ممكن بناء على ما أعطته هذه العلوم في التراث وبناء على احتياجات العصر.
وإذا كان التراث القديم قد أعطانا علوما عقلية أو علوما دينية أو علوما شرعية أو علوما نقلية أو علوما شرعية عقلية أو دينية عقلية إلى آخر هذه التسميات التي توحي بأن العلم بمعناه القديم كان مجرد إعمال للعقل في النص الديني، فإن العصر الحاضر هو عصر العلوم الإنسانية، وبالتالي تكون مهمة «التراث والتجديد» هو تحويل العلوم العقلية القديمة إلى علوم إنسانية، وأن يصبح الكلام والفلسفة والتصوف والأصول، كل منها علما إنسانيا، قد يسهل ذلك في أحدها، ويصعب في الآخر، ويتحدد ذلك بدرجة قرب العلم التقليدي أو بعده هو ذاته عن العلم الإنساني، فمثلا من السهل تحويل علم أصول الفقه إلى مناهج بحث، والفقه إلى علم اقتصاد وتشريع وسياسة، والتصوف إلى علم نفس وأخلاق، وعلم الحديث إلى علم نقد تاريخي، ولكن يصعب الأمر قليلا إذا أتينا إلى الكلام والفلسفة، هل يمكن تحويل «الثيولوجيا» إلى «أنثروبولوجيا»
Página desconocida