Herencia y Renovación: Nuestra Posición sobre la Herencia Antigua
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Géneros
فإذا تبنى المناطقة المسلمون قسمة المنطق الأرسطية إلى تصور وتصديق، التصور ينال بالحد، والتصديق ينال بالبرهان، فلأن هذه القسمة كانت من البداهة العقلية والتجانس المنطقي ضمن العقلي، وهو العنصر الثاني من عناصر الوحي، بعدها يمكن تأييد النظرية بحجج جديدة عقلية أو حتى بشواهد من النص، كما يمكن استخراج نتائج جديدة منها بل وتضخيم البناء النظري لها دون أن يكون هناك أدنى أثر أو تأثر بالمنطق الأرسطي، كل ما حدث هو «احتواء»، بل إنه يمكن عرض القسمة الأرسطية للمنطق باعتباره نظرية عقلية خالصة وهو العنصر الثاني للوحي.
16
وعند الفلاسفة حدثت عملية حضارية أخرى يمكن تسميتها «التشكل الكاذب »
17
يتم بواسطتها التعبير عن مضمون إسلامي أصيل في صورة لفظية من بيئة أخرى متاخمة، فالمعنى الذي ينتج في الغالب من فهم لنص أو تفسير له يعبر عنه بلفظ أجنبي أصبح شائعا ومألوفا، وصار جزءا من ثقافة المفكر العامة، فمثلا «العقل الفعال» اصطلاح من بيئة ثقافية مغايرة هي الثقافة اليونانية، يمكن التعبير به عن المعنى العقلي لله في إحدى صفاته وهو العلم في نظرية النبوة أو القدرة في نظرية الخلق، فمن يطلق عليهم اسم «المشاءون المسلمون» هم في الحقيقة مفكرون قاموا بالتعبير عن مضمون إسلامي أصيل في قالب لفظي انتشر في بيئتهم، وتشبعوا به من ثقافتهم، واستعملوه في لغتهم، فالتشكل الكذاب ظاهرة لغوية محضة خاصة بالاصطلاحات، ويعني التعبير عن معنى من البيئة الثقافية الأصلية بلفظ مستعار من بيئة ثقافية أخرى دخل إلى البيئة الأصلية عن طريق الترجمة وأصبح شائعا مألوفا، والتشكل هنا يعني التعبير عن مضمون أصيل، وهو المعنى في صورة مغايرة له مستعارة هي اللفظ، وهو كاذب لأنه يمس الجوهر أو المضمون ولا يمس إلا العرض وهي الصورة وإغفال هذه العملية الطبيعية التي تحدث كلما التقت حضارتان، حضارة ناشئة، وحضارة قديمة، واستعارة معاني الأولى لألفاظ الثانية يؤدي إلى إصدار أحكام خاطئة عن الأثر والتأثر كما حدث في المنهج التاريخي، في حين أن الله هو واجب الوجود، والواحد، والمحرك الأول، والمعشوق، والخير الأقصى، والعقل، والعاقل، والمعقول، والعلة الأولى، إلى آخر هذه الألفاظ التي تعبر عن المضمون الواحد وهو الله، ومنطق التجديد اللغوي إن هو إلا محاولة لإعادة هذه العملية من جديد ليس مع الثقافة القديمة كما كان الحال عند القدماء بل مع الثقافة المعاصرة لنا وهي الثقافة الأوروبية التي أصبحت مشاعة بيننا الآن ومتداولة عن طريق الترجمة التي أصبحت وبدأت من قبل منذ قرنين من الزمان.
18
فالفلسفة إذن تمثل نمطا واحدا من أنماط الفكر الإسلامي في التاريخ هو الفكر الحضاري الذي يعمل على حافة الحضارة الإسلامية، ويحرس حدودها، ويجدد مفاهيمها بالاتصال بالبيئات الثقافية الأخرى،
19
وغير صحيح على الإطلاق أنها دوائر منعزلة عن الفكر الإسلامي أو أنها تابعة للفلسفات المترجمة من بيئات ثقافية مغايرة، وأنها لا تتعدى حدود شرح بعض جوانبها المنطقية أو الطبيعية أو الميتافيزيقية أو بلغة عصرنا أنها تمثل تبعية فكرية للغرب ووكالة حضارية له، وهو حكم قائم على مجرد التشابه أو التقارب اللفظي أو المعنوي الذي قد يظهر بين الفكر الإسلامي والبيئة الثقافية المغايرة كاليونانية مثلا، مما يؤدي إلى إطلاق أحكام الأثر والتأثر أو التقليد الكامل، وهذا غير مطابق للواقع وعدم معرفة بطبيعة العمليات الحضارية الناشئة عن التقاء حضارتين، إحداهما ناشئة والأخرى قديمة، والواقع يبين أولا أنه ابتداء من عصر الترجمة الذي يعد فتحا جديدا للحضارة الإسلامية بل وبدايتها مثل عصر التدوين أو مثل الفتوحات الفعلية، ظهر الفكر الإسلامي باعتباره أوسع نطاقا وأقل حدودا من الكتب المترجمة، ويدل على ذلك طرق الترجمة، وكيفية ترجمة لفظ أجنبي بعدة ألفاظ عربية، فالترجمة لم تكن تلهفا على الفكر الأجنبي ولكنها كانت فتحا جديدا للفكر الإسلامي، وموقفا أصيلا باعتباره اختيار المواضيع معينة كالفلسفة والمنطق والعلوم الرياضية والطب والكيمياء دون مواضيع أخرى كالشعر الغنائي أو المسرحي بالرغم من أن الثقافة الإسلامية قامت في مجتمع يجد تاريخه في شعره، ويبين الواقع ثانيا أن الأعمال التي قام بها الشراح لا تمثل تبعية مذهبية بل هو عرض فكري لبناء نظري ممكن لا يقف أمامه معارض شرعي أو عقلي، المنطق باعتباره آلة للعلوم، لم لا؟ المنطق باعتباره إما تصور ينال بالحد أو تصديق ينال بالبرهان، ما المانع من ذلك؟ الفلسفة باعتبارها محبة للحكمة أو دراسة للوجود بما هو موجود، ما المعارض في هذا؟ الشرح إذن هو عرض من داخل الحضارة الإسلامية نفسها لنظريات عقلية ممكنة لا يؤيدها الشرع أو يرفضها، بل هي ممكنة عقلا، وما دامت كذلك فإن الشرع يؤيدها، وكثيرا ما يؤيد الشراح شروحهم بمزيد من البراهين والحجج العقلية بل والنصوص الدينية، ويعطون تطبيقات جديدة لهذه النظريات من بيئتهم الثقافية الخاصة، ليس ذلك تلفيقا بل هو تأكيد لبناء نظري ممكن، ثم يأتي دور الفلاسفة، وهم ليسوا شراحا فحسب، بل هم مفكرون قد يثبتون الفكر المنقول أو قد يرفضون، فمنهم من يرفض الله كمحرك أول وأن العالم قديم ويثبت الله خالقا والعالم مخلوقا، ومنهم من لا يرى غضاضة في إثبات الله كعلة أولى وأن العالم قديم وكلاهما يضع في اعتباره الاحتمال العقلي.
وتصاحب هذه العمليات الطبيعية بعض الظواهر الإيجابية والسلبية، فعندما يتحول النص الديني إلى فكرة، والوحي إلى حضارة، تظهر العلوم الدينية العقلية كأبنية نظرية تقوم على فهم نظري للوحي ابتداء من تفسير عقلي للنص، فبناء العلوم التقليدية يرجع في تقييمه إلى مصدر نشأته وهو النص الديني، الظاهرة الإيجابية هي الظاهرة الفكرية التي تصدر من النص الديني بعد فهمه أو تفسيره ثم تعود إليه دون أن يكون لها بقايا يرجع أصلها إلى التاريخ أو إلى بيئة ثقافية أخرى باستثناء الألفاظ والمصطلحات، وبتعبير آخر، الظاهرة الإيجابية هو النص الديني نفسه بعد امتداده في صورة فكر، ويمكن لهذا الامتداد أن يرجع إلى أصله لو غاب سبب التوتر والشد، فمثلا في عالم أصول الفقه ومن قبل في علم الحديث، تحول الحديث إلى منطق تاريخي للنقل، التواتر والآحاد للسند، والنقل بالمعنى والوضع بالمعنى للمتن، كما تحول النص القرآني إلى منطق علة قائم على تعدية حكم الأصل، وهو حكم النص في الواقعية المثالية، إلى الفرع، وهو الواقعة الجديدة لاتحادهما في العلة، كما تحول النص الديني بوجه عام إلى منطق للفعل بعد ظهوره على مستويات خمسة للسلوك، وهي أحكام التكليف، وفي علم أصول الدين تحول النص أيضا إلى معنى أو إلى موضوع نظري مثل النظر والعمل، العقل والنقل، الحرية والاختيار، الذات والصفات ... إلخ، وفي الفلسفة تحول النص الديني إلى نظرة شاملة إلى الكون، وإلى تصور فلسفي عام، وإلى وضع الإنسان بين عالمين، الفكر والواقع، وهي قسمة الفلسفة إلى منطق، وطبيعيات، وإلهيات، وفي التصوف تحول النص الديني إلى بناء وتطور للشعور، وإلى علم وصف للمعطيات الشعورية، فالظواهر الإيجابية هي التي تكون البناء النظري للعلم وهي التي يجب البحث عنها واستقصاؤها وذلك بالرجوع الدائم إلى النص الديني ثم بالخروج منه، فالظاهرة الفكرية هي هذا الشد والإرخاء من النص الديني وإليه.
Página desconocida