منها، لما يدري من مضرتها وأذاها في الوقت الحاضر، وفي مغبتها في يوم الدنيا، إلى ما أخبر به من سوء عقابها في يوم الدين: "من شرب الخمر ومات، ولم يتب منها، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال". وهي عصارة أهل النار، ولو هدد شاربها في الدنيا من له عليه إمرة، بأن يسقيه من بوله ورجيعه لوجد من الروع ما يحمله على الورع عنها.
وإذا استبصر ذو دراية فيما يضره في ذاته، فأنف منه رعاية لنفسه، لحق له بذلك التزام رعايتها عما يتطرق له منه درك من جهة غيره، فيتورع عن أكل أموال الناس بالباطل، لما يدري من المؤاخذة عليها في العاجل، وما أخبر به من المعاقبة عليها في الآجل، ولها في ذاته مضرة في الوقت، يتعرفها من موارد القرآن بنور الإيمان. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ فهو آكل نارا، وإن لم يحس بها، وليس تأويله الوعيد بالنار، لأن ذلك أنبأ عنه قوله تعالى: ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ وكذلك إذا أنف مما يضره في نفسه، وخاف مما يتطرق إليه ضره من غيره، أعظم أن يقرب حمى ما يتطرق إليه السطوة من ربه لأجله، وذلك فيما حرم عليه حماية لعظيم ملكه، وعدم التفاوت في أثر رحمانيته في محرم الربا، ولما فيه أيضا من مضرة وقته الحاضر التي يقبلها بالإيمان من تعريف ربه، فإنه
1 / 95