وهذه الآية مدنية، وأثبتها الله في سورة مكية إشعارا بأن التحريم كان مستحقا في أول الدين، ولكن أخر إلى حين اجتماع جمة الإسلام بالمدينة؛ تأليفا لقلوب المشركين، وتيسيرا على ضعفاء الذين آمنوا، واكتفاء للمؤمنين بتنزههم عن ذلك وعما يشبهه؛ استبصارا منهم، حتى إن الصديق، ﵁، كان قد حرم الخمر على نفسه في زمن الجاهلية، لما رأى فيها من نزف العقل، فكيف بأحوالهم بعد الإسلام، وألحق بها في سورة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ما كان قتله سطوة من غير ذكر الله عليه، من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إلا ما تدورك بالتذكية المنهرة للدم المؤصل في التحريم، لفساد مسفوحه بما هو خارج عن حدي الطعام في الابتداء والأعضاء في الانتهاء، المستدركة ببركة التسمية إثر ما أصابها من مفاجأة السطوة، وألحق بها أيضا في هذه السورة تحريم الخمر لرجسها، كالخنزير، كما ألحقت المقتولة بالميتة.
وكما حرم الله ما كان فيه جماع الرجس من الخنزير، وجماع الإثم من الخمر، حرم رسول الله، ﷺ، ما كان فيه حظ من ذلك، فألحق بالخنزير السباع، حماية من سورة غضبها، لشدة المضرة في ظهور الغضب من العبيد، لأنه لا يصلح إلا لسيدهم، وحرم الحمر الأهلية حماية من بلادتها وحرانها، الذي هو علم غريزة الخرق في الخلق، وألحق، ﷺ، بتحريم الخمر، الذي سكرها مطبوع، تحريم المسكر الذي سكره مصنوع.
1 / 75