الحواس بمنفعته عن التفكر في وجه آيته: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أفرد الآية لاستناد كثرته إلى وحدة الماء ابتداء، ووحدة الانتفاع انتهاء.
ثم يلي مايدرك بفكر العقل الأدنى ما يقبل بالايمان، ويكون آية أمر قائم على خلق، وهو مما يدرك سمعا، لأن الخلق مرئي، والأمر مسموع: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾.
هذه آية حياة القلوب بنور العلم والحكمة الذي أخذ سمعا عند تقرر الإيمان. وعند هذا الحد يتنامى العقل إلى فطرة الأشد، وتعلو بداهته، ويترقى فكره إلى نظر ما يكون آية في نفس الناظر، لأن مجاز غيب الكون يرد إلى وجدان نفس الناظر، وكما كان الماء آية حياة القلوب، صار الشرابان: اللبن والحجر آيتين على أحوال تخص القلوب، بما يغذوها من أمر الله غذاء اللبن وينشيها نشوة السكر منبعثا من بين فرث ودم نزول الخلق المقام عن الأمر القائم عليه: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ﴾ الآيتين إلى قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
هذا هو الحقل الأول (١٧)، فأفرد (هـ أي الآية لانفرإد! وردها في وجد القلب.
1 / 46