الباب الثامن
في وجوه بيان الإقبال والإعراض في القرآن
اعلم أن كل مربوب يخاطب بحسب ما في وسعه لقنه، وينفي عنه ماليس في وسعه لقنه، فلكل سن من أسنان القلوب خطاب إقبال بحسب لقنه، وربما كان له إنباء عن بعض ذلك، فيقع عنه الإعراض بحسب بادي ذلك الإباء، وربما تلافته الرحمة فعاد الإقبال إليه بوجه ما، دون صفاء الإقبال الأول، وربما تناسقت الإقبالات مترتبة، فيعلو البيان والإفهام، بحسب رتبة من توجه إليه الإقبال، ويشتد الإدبار بحسب بادي الإدبار، وربما تراجع لفف البيان فيها بعضها على بعض، فخطاب الإقبال على النبي ﷺ أعظم إفهام في القرآن. ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ الآية ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾.
تفاوت الخطابين بحسب تفاوت المخاطبين: ﴿أو أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ أعرض عنهم الخطاب، ونفى عنهم ما ليس في حالهم رؤيته. ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ خاطبهم وأمرهم، فلما
1 / 43