٣ - فصل: في مبدأ أمره واشتغاله
ذكر لي الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي (١) ولي الله ﵀ قال: "رأيت الشيخ محيي الدين -وهو ابن عشر سنين- بنوى، والصبيان يُكْرِهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته.
وجعله أبوه في دُكَّان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشِّراء عن القرآن". قال: "فأتيتُ الذي يُقْرِئُه القرآن، فوصيتُه به، وقلتُ له: هذا الصبيُّ يُرْجى أن يكون أعلم أهل زمانه، وأزهدهم، وينتفع الناس به.
_________
(١) هو ياسين بن عبد الله، المقرئ، الحجام، الأسود، الصالح، كان له دكان بظاهر باب الجابية، وكان صاحب كرامات، وقد حجَّ أكثر من عشرين مرَّة، وبلغ الثمانين، اتفق أنه سنة نيف وأربعين مرَّ بقرية (نوى)، فرأى الشيخ محيي الدين النووي وهو صبيٌّ، فتفرَّس فيه النَّجابة، واجتمع بأبيه الحاج شرف، ووصَّاه به، وحرَّضه على حفظ القرآن والعلم، فكان الشيخ فيما بعدُ يخرج إليه، ويتأدَّب معه، ويزوره، ويستشيره في أموره. توفي في ثالث ربيع الأول سنة سبع وثمانين وست مئة، ودفن بمقبرة باب شرقي ﵀.
انظر ترجمته في "البداية والنهاية" (١٣/ ٣١٢)، و"شذرات الذهب" (٥/ ٤٠٣).
وعقَّب السخاوي في "ترجمة الإمام النووي" (ص ٤ - ٥) على ما ورد في ترجمة الشيخ ياسين: "واجتمع بأبيه الحاج شرف"؛ بقوله: "فيه مخالفة لكلام ابن العطار، وإن كان يمكن الجمع بينهما بأنَّ الشيخ ياسين بعد أن أخبر المعلِّم؛ شافهَ بذلك والدَه أيضًا".
قلتُ: وعبارة ابن العطار محتملة لما ذكره الذهبى، إذ فيها: "فذكر ذلك لوالده"! إلا أن السخاوي ينقلها عنه هكذا: "فذكر المعلم ذلك لوالده"! وأسقط السيوطي في "المنهاج السوي" كلمة: "المعلم".
1 / 44