161

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

وَكَانَ يَأْكُلُ الْخُبْزَ مَأْدُومًا مَا وَجَدَ لَهُ إِدَامًا، فَتَارَةً يَأْدِمُهُ بِاللَّحْمِ وَيَقُولُ: «هُوَ سَيِّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ «١» . وَتَارَةً بِالْبِطِّيخِ، وَتَارَةً بِالتَّمْرِ، فَإِنَّهُ وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةِ شَعِيرٍ، وَقَالَ: هَذَا إِدَامُ هَذِهِ» «٢» . وَفِي هَذَا مِنْ تَدْبِيرِ الْغِذَاءِ أَنَّ خُبْزَ الشَّعِيرِ بَارِدٌ يَابِسٌ، وَالتَّمْرَ حَارٌّ رَطْبٌ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، فَأَدْمُ خُبْزِ الشَّعِيرِ بِهِ مِنْ أَحْسَنِ التَّدْبِيرِ، لَا سِيَّمَا لِمَنْ تِلْكَ عَادَتُهُمْ، كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَتَارَةً بِالْخَلِّ، وَيَقُولُ: «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ»، وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرِ، لَا تَفْضِيلٌ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا يَظُنُّ الْجُهَّالُ، وَسَبَبُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمًا، فَقَدَّمُوا لَهُ خُبْزًا، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ إِدَامٍ؟» قَالُوا:
مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَقَالَ: «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» «٣» .
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ أَكْلَ الْخُبْزِ مَأْدُومًا مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ. وَسُمِّيَ الْأُدْمُ أُدْمًا: لِإِصْلَاحِهِ الْخُبْزَ، وَجَعْلِهِ مُلَائِمًا لِحِفْظِ الصِّحَّةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي إِبَاحَتِهِ لِلْخَاطِبِ النَّظَرَ: إِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا، أَيْ أَقْرَبُ إِلَى الِالْتِئَامِ وَالْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَدْخُلُ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَلَا يَنْدَمُ.
وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ فَاكِهَةِ بَلَدِهِ عِنْدَ مَجِيئِهَا، وَلَا يَحْتَمِي عَنْهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ جَعَلَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنَ الْفَاكِهَةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُهَا فِي وَقْتِهِ، فَيَكُونُ تَنَاوُلُهُ مِنْ أَسْبَابِ صِحَّتِهِمْ وَعَافِيَتِهِمْ، وَيُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَدْوِيَةِ، وَقَلَّ مَنِ احْتَمَى عَنْ فَاكِهَةِ بَلَدِهِ خَشْيَةَ السَّقَمِ إِلَّا وَهُوَ مِنْ أَسْقَمِ النَّاسِ جِسْمًا، وَأَبْعَدِهِمْ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ.
وَمَا فِي تِلْكَ الْفَاكِهَةِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ، فَحَرَارَةُ الْفَصْلِ وَالْأَرْضِ، وَحَرَارَةُ الْمَعِدَةِ تُنْضِجُهَا وَتَدْفَعُ شَرَّهَا إِذَا لَمْ يُسْرِفْ فِي تَنَاوُلِهَا، وَلَمْ يُحَمِّلْ مِنْهَا الطَّبِيعَةَ فَوْقَ مَا تَحْتَمِلُهُ، وَلَمْ يُفْسِدْ بِهَا الْغِذَاءَ قَبْلَ هَضْمِهِ، وَلَا أفسدها بشرب الماء عليها، وتناول

(١) أخرجه ابن ماجة في الأطعمة.
(٢) أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل.
(٣) أخرجه مسلم في الأشربة، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي في الإيمان. والإمام أحمد.

1 / 163