160

Medicina Profética

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Editorial

دار الهلال

Número de edición

-

Ubicación del editor

بيروت

اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ. وَلَمَّا قُدِّمَ إِلَيْهِ الضَّبُّ الْمَشْوِيُّ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَهُوَ حَرَامٌ؟
قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» «١» . فَرَاعَى عَادَتَهُ وَشَهْوَتَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ يَعْتَادُ أَكْلَهُ بِأَرْضِهِ، وَكَانَتْ نَفْسُهُ لَا تَشْتَهِيهِ، أَمْسَكَ عَنْهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَكْلِهِ مَنْ يَشْتَهِيهِ، وَمَنْ عَادَتُهُ أَكْلُهُ.
وَكَانَ يُحِبُّ اللَّحْمَ، وَأَحَبُّهُ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَمُقَدَّمُ الشَّاةِ، وَلِذَلِكَ سُمَّ فِيهِ، وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ»: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ «٢» .
وَذَكَرَ أبو عبيدة وَغَيْرُهُ عَنْ ضباعة بنت الزبير، أَنَّهَا ذَبَحَتْ فِي بَيْتِهَا شَاةً.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَطْعِمِينَا مِنْ شَاتِكُمْ، فَقَالَتْ لِلرَّسُولِ: ما بقي عندنا إلا الرقبة، وإني لأستحي أَنْ أُرْسِلَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهَا فَقُلْ لَهَا: أَرْسِلِي بِهَا، فَإِنَّهَا هَادِيَةُ الشَّاةِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْخَيْرِ، وَأَبْعَدُهَا مِنَ الْأَذَى» «٣» .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَخَفَّ لَحْمِ الشَّاةِ لَحْمُ الرَّقَبَةِ، وَلَحْمُ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ، وَهُوَ أَخَفُّ عَلَى الْمَعِدَةِ، وَأَسْرَعُ انْهِضَامًا، وَفِي هَذَا مُرَاعَاةُ الْأَغْذِيَةِ الَّتِي تَجْمَعُ ثَلَاثَةَ أَوْصَافٍ. أَحَدُهَا: كَثْرَةُ نَفْعِهَا وَتَأْثِيرِهَا فِي الْقُوَى الثَّانِي: خِفَّتُهَا عَلَى الْمَعِدَةِ، وَعَدَمُ ثِقَلِهَا عَلَيْهَا. الثَّالِثُ: سُرْعَةُ هَضْمِهَا، وَهَذَا أَفْضَلُ مَا يَكُونُ مِنَ الْغِذَاءِ، وَالتَّغَذِّي بِالْيَسِيرِ مِنْ هَذَا أَنْفَعُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَكَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ- أَعْنِي: اللَّحْمَ وَالْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ- مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ، وَأَنْفَعِهَا لِلْبَدَنِ وَالْكَبِدِ وَالْأَعْضَاءِ، وَلِلِاغْتِذَاءِ بِهَا نَفْعٌ عَظِيمٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَلَا يَنْفِرُ منها إلا من به علة وآفة.

(١) أخرجه البخاري في الأطعمة، ومسلم في الصيد.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء، ومسلم في الإيمان.
(٣) أخرجه أحمد والنسائي.

1 / 162