57

The Veil of the Muslim Woman: A Concise Book

مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة

Número de edición

الأولى في القدس سنة ١٤١٩ هـ/١٩٩٨

Géneros

فثبت مما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا، فالواجب على كل مسلم رجالًا ونساءًا أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها، وبصورة خاصة في أزيائهم وألبستهم، لما علمت من النصوص الخاصة فيها، وبذلك يتحقق صحة الشرط السابع في زي المرأة. هذا، وقد يظن بعض الناس أن هذه المخالفة إنما هي أمر تعبُّدي محض وليس كذلك، بل هو معقول المعنى، واضح الحكمة، فقد تقرر عند العلماء المحققين أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الظاهر والباطن، وأن للأول تأثيرًا في الآخر، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وإن كان ذلك مما قد لا يشعر به الإنسان في نفسه، ولكن قد يراه في غيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: «وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى أن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين، وذلك لأن الإشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة. بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما متشابهة في العمامة، أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب، ونحو ذلك، لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما. وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضًا ما لا يألفون غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة، إما على الملك وإما على الدين، وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء - وإن تباعدت ديارهم وممالكهم - بينهم مناسبة توِرث مشابهةً ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص. فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟! فإن إفضائها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والمولاة لهم تنافي الإيمان ... وقال سبحانه: ﴿لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أوعشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيديهم بروحٍ منه﴾ [المجادلة: ٢٢]، فأخبر ﷾ أنه لا يوجد مؤمن يوادُّ كافرًا، فمن وادَّ الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة، فتكون محرمة». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: «وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا، وقد بعث الله محمدًا ﷺ بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن

1 / 62