The Veil of the Muslim Woman: A Concise Book
مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة
Número de edición
الأولى في القدس سنة ١٤١٩ هـ/١٩٩٨
Géneros
مختصر كتاب
جلباب المرأة المسلمة
في
الكتاب والسنَّة
تأليف
العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني
اختصره
د. حسام الدين موسى عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
الإهداء
إلى كل من رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًا ورسولًا
إلى كل من ارتفعت بالإسلام فوق الهوى
إلى ابنة خديجة وأسماء وسمية
إلى كل فتاة التزمت كتاب ربها تلاوةً وتدبرًا وعملًا
إلى كل فتاة وضعت تحت قدميها الشعارات البرَّاقة والخادعة من دعاة التحلل والفجور
إلى كل فتاة تريد سعادة الدنيا والآخرة
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ سورة آل عمران/١٠٢.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالًا كثيرًا ونساءًا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا﴾ سورة النساء/١.
﴿يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا﴾ سورة الأحزاب/ ٧٠، ٧١.
أما بعد ...
فإن كتاب [جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة] لمؤلفه العلامة محدث القرن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله ورعاه، أحسن كتاب في تناوله لقضية هامة من القضايا التي تهم كل امرأة مسلمة، ألا وهي قضية الجلباب.
وقد كنت قد اطلعت على هذا الكتاب منذ زمن بعيد بطبعته القديمة وبعنوانه السابق [حجاب المرأة المسلمة ...] ثم بطبعته الجديدة وبعنوانه الجديد [جلباب المرأة المسلمة ...] فوجدت أن المؤلف حفظه الله قد زاد في طبعته الجديدة زيادات نافعة ومفيدة [أهمها تلك الزيادة في الأحاديث وآثار السلف الدالة على أن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة ....] ص٣ من الكتاب.
1 / 7
إلا أن الكتاب اشتمل على مقدمة واسعة تضمنت ردودًا على من خالف الشيخ الألباني وألزم المرأة أن تستر وجها وكفيها.
وقد طال الحديث مع المخالفين وغيرهم كما أن تخريجات الشيخ الألباني لكثير من الأحاديث كانت موسعة فاجتهدت في اختصار هذا الكتاب النافع المفيد لما رأيت حاجة ماسة عند النساء المسلمات
في معرفة شروط جلباب المرأة المسلمة وأن كثيرًا منهن لا تتحقق تلك الشروط في جلابيبهن.
ولما كان نفس كثير من القراء اليوم في القراءة قصير وصبرهم عليها قليل وكثير من الأمور التي ذكرها الشيخ الألباني في كتابه تهم أهل العلم وطلابه المتخصصين رأيت اختصار هذا الكتاب وكان منهجي في الاختصار كما يلي:
١ - حذفت مقدمة الطبعة الجديدة لجلباب المرأة المسلمة نظرًا لما اشتملت عليه من ردود على العلماء المخالفين.
٢ - حذفت مقدمة الطبعة الثانية لحجاب المرأة المسلمة.
٣ - حذفت الكلام على أسانيد الأحاديث المخرجة في الكتاب واكتفيت في التخريج بما يلي:
أـ إذا كان الحديث في البخاري ومسلم أو في أحدهما اكتفيت بذلك.
ب - إذا كان الحديث في غيرهما من كتب السنة فأكتفي بذكر من أخرجه وحكم الشيخ الألباني عليه
ج - جعلت تخريج الحديث في صلب الكتاب وليس في الحاشية.
٤ - حذفت بعض الأحاديث التي يغني غيرها عنها رغبة في الاختصار.
٥ـ حذفت جميع الفهارس الملحقة بالكتاب واستعضت عنها بفهرس مختصر للموضوعات.
٦ - ذكر الشيخ الألباني في هوامش الكتاب تعليقات طيبة لشيخ الإسلام ابن تيمية من كتابه
(اقتضاء الصراط المستقيم) فنقلتها إلى صلب الكتاب في مواضعها المناسبة وكذلك فعلت في تعليقات أخرى للشيخ الألباني نفسه ولغيره من أهل العلم.
٧ - أضفت بعض الإضافات الطفيفة التي لا بد منها.
وخلاصة الأمر أن ما قمت به هو اجتهاد قد يخطئ وقد يصيب فإن كانت الأولى فأستغفر الله وأتوب إليه وإن كانت الأخرى فالحمد لله أولًا وأخيرًا والفضل له وحده ثم الفضل لصاحب الفضل الشيخ الألباني وأحببت أن أقرب جهده لجمهور النساء المسلمات وإني لأرجو مخلصًا أن تنتفع أخواتنا المسلمات بهذا الكتاب وأن يتعرفن على صفات وشروط جلباب المرأة المسلمة حسب ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ليلتزمن بها التزمًا كاملًا.
1 / 8
وخاصة أننا نرى كثيرًا منهن لا يلبسن الجلباب المطلوب لبسه شرعًا.
ونرى بعض النساء أدخلن بعض التغيير والتعديل كما زعمن على الجلباب الشرعي.
وبعضهن يلبسن ما يسمى (بلوزة وتنورة) مع غطاء للرأس ويزعمن أن ذلك يغني عن الجلباب الشرعي.
وبعضهن يلبسن (بنطالًا وتنورة) مع غطاء للرأس ويزعمن أن ذلك لباس شرعي.
وغير ذلك من التقليعات والموضات.
نسأل الله الهداية لنا ولجميع المسلمين والمسلمات.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أبوديس - القدس
صباح يوم الجمعة ٦/ جمادى الأولى ١٤١٩ ... كتبه الدكتور حسام الدين عفانة
وفق الثامن والعشرين من آب ١٩٩٨ ... الإستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
1 / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى للكتاب
بقلم الشيخ ناصر الدين الألباني
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: ﴿يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا، ولباس التقوى ذلك خيرٌ ذلك من آيات الله لعلهم يذَّكَّرون﴾ [الأعراف: ٢٦]، وصلى الله على محمد المبعوث رحمةً للناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه يوم إلى الدين.
أما بعد؛ فهذه رسالة لطيفة، وبحوث مفيدة إن شاء الله تعالى، جمعتها لبيان اللباس الذي يجب على المرأة المسلمة أن تدَّثر به إذا خرجت من دارها، والشروط الواجب تحققها فيه حتى يكون لباسًا إسلاميًا، واستندت في ذلك على الكتاب والسنة، مستشردًا بما ورد فيه من الآثار والأقوال عن الصحابة والأئمة، فإن أصبت فمن الله تعالى وله الفضل والمنة، وإن كانت الأخرى؛ فذلك مني، وأسأله العفو والمغفرة لذنبي، إنه عفو كريم، غفورٌ رحيم.
وقد كان ذلك بطلب من بعض الإخوان الأحبة، الذين نظن فيهم الصلاح والاستقامة، والحرص على العمل بما يدل عليه الكتاب والسنة، وقد دنا يوم زفافه، جعله الله مباركًا عليه وعلى أهله وذريته، فرأيت من الواجب أن أبادر إلى إجابة طلبه، وتحقيق رغبته، على الرغم من ضيق وقتي، وانصرافي إلى العمل في مشروعي الذي أسميته «تقريب السنة بين يدي الأمة»، الذي شرعت فيه منذ سنتين وزيادة، مبتدئًا ب «سنن أبي داود»، ثم توقفت عنه منذ أشهر لعارض طرأ على عيني اليمنى، الذي أرجو الله تعالى أن يذهبه عني بفضله وكرمه. على الرغم من هذا فقد بادرت إلى تحرير هذه الرسالة القيمة، ثم قدمتها إليه هدية، عسى أن تكون له ولغيره - ممن عسى أن يقف عليها - عونًا على طاعة الله ورسوله في هذه المسألة، التي تهاون بها في هذا العصر أكثر الناس، وفيهم كثيرٌ من أهل العلم المفروض فيهم أن يكونوا قدوةً لغيرهم في كل أمرٍ من أمور الشريعة، فما بالك بغيرهم، حتى نَدَرَ أن ترى في هذه البلاد من وقف عندما حدَّده الشارع فيها كما سترى.
1 / 10
ولكنا نحمد الله تعالى على أنه لا تزال طائفةٌ من أمته ﷺ قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الطائفة، وأن يجعل هذه الرسالة وكل ما كتبتُ وأكتبُ خالصًا لوجهه، وسببًا لنيل مرضاته، والفوز بجناته، إنه خير مسؤول.
دمشق ٧/ ٥/ ١٣٧٠ هجرية. ... محمد ناصر الدين الألباني
1 / 11
مختصر كتاب
جلباب المرأة المسلمة
في
الكتاب والسنة
تأليف
العلاَّمة الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني / حفظه الله تعالى
اختصره
الدكتور حسام الدين عفانه
الاستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
1 / 12
جامعة القدس
1 / 13
بسم الله الرحمن الرحيم
إن تتبعنا الآيات القرآنية، والسنة المحمدية، والآثار السلفية في هذا الموضوع الهام، قد بيَّن لنا أن المرأة إذا خرجت من دارها وجب عليها أن تستر جميع بدنها، وأن لا تظهر شيئًا من زينتها، حاشا ... وجهها وكفيها - إن شاءت - بأي نوع أو زي من اللباس، ما وُجدت فيه الشروط الآتية:
شروط الجلباب
١ - استيعاب جميع البدن إلا ما استثني.
٢ - أن لا يكون زينةً في نفسه.
٣ - أن يكون صفيقًا لا يشف.
٤ - أن يكون فضفاضًا غير ضيق.
٥ - أن لا يكون مبخرًا مطيبًا.
٦ - أن لا يشبه لباسَ الرجل.
٧ - أن لا يشبه لباسَ الكافرات.
٨ - أن لا يكون لباسَ شُهرة.
1 / 14
(تنبيه):
واعلم أن بعض هذه الشروط ليست خاصة بالنساء، بل يشترك فيها الرجال والنساء معًا كما لا يخفى
وأيضًا، فبعضها يحرم عليها مطلقًا، سواء كانت في دارها أو خارجها، كالشروط الثلاثة الأخيرة، ولكن لما كان موضوع البحث إنما هو في لباسها إذا خرجت، انحصر كلامنا فيه، فلا يتوهمن منه التخصيص.
وهاك الآن تفصيل ما أجملنا، والدليل على ما ذكرنا.
1 / 15
الشرط الأول
(استعياب جميع البدن إلا ما استثني)
وهو الوجه والكفان
فهو في قوله تعالى في [سورة النور: الآية ٣١]:
﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن، أو أبنائهن، أو أبناء بعولتهن، أو إخوانهن، أوبني إخوانهن، أو بني أخواتهن أو نسائهن، أو ما ملكت أيمانهن، أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال، أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون﴾.
وقوله تعالى في [سورة الأحزاب: الآية ٥٩]:
﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفورًا رحيمًا﴾.
ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره، قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره»:
«أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه».
قلت: وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير: ﴿إلا ما ظهر منه﴾ [سورة النور: ٣١] هو المتبادر من سياق الآية، وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها فمن قائل: إنها الثياب الظاهرة.
ومن قائل: إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في «تفسيره»
عن بعض الصحابة والتابعين، ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان، فقال:
«وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك - إذا كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لاجتماع الجميع على أن على كل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها
1 / 16
وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ماعدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي ﷺ أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعًا، كان معلومًا بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره، وإذا كان لها إظهار ذلك؛ كان معلومًا أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله: ﴿إلا ما ظهر منها﴾
[النور: ٣١]، لأن كل ذلك ظاهر منها».
وهذا الترجيح غير قوي عندي، لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني، وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي، وهو غير لازم هنا، لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة، أمر خاص بالصلاة، فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين.
وأقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها، لدليل، بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه، وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه، لا في صحة الدعوى، فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث، وأيدناه بكلام ابن كثير.
ويؤيده أيضًا ما في «تفسير القرطبي»:
«وقال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ ﴿ما ظهر﴾ على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه».
قال القرطبي:
«قلت: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة ﵂: أن أسماء بنت أبي بكر ﵄ دخلت عل رسول الله ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله ﷺ، وقال لها: يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه».
قلت: وفي هذا التعقيب نظر أيضًا، لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة، فإنما ذلك بقصد من المكلف، والآية حسب فهمنا إنما أفادت إستثناء ما ظهر دون قصد، فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلًا شاملًا لما ظهر بالقصد؟! فتأمَّل.
ثم تأمَّلت، فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب، وأن ذلك من دقة نظرهم ﵏،
1 / 17
وبيانه: أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى: ﴿إلا ما ظهر منها﴾ يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة، غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا فيما تظهره بقصد منها، فابن مسعود يقول: هو ثيابها، أي: جلبابها.
وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول: هو الوجه والكفان منها.
فمعنى الآية حينئذ: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها
حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها - كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات - أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء، فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول، وكلاهما بقصد منها، لا يمكن إلا هذا، فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة - فهذا مما لا مؤآخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضًا اتفاقًا - وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم، فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفًا أو وجهًا أو غيرهما، فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد، لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تمامًا كما بينتُ آنفًا.
فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا: إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان، وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي ﷺ وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترةمعنى.
ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه - بعد الله تعالى - إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي
رحمه الله تعالى في كتابه القيم الفريد الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة، ألا وهو: «النظر في أحكام النظر»، فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب، على كل مسائله، ومنها ما نحن فيه، فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه:
«وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن، وبلَّغوا عن النبي ﷺ الشرع، وحضروا به خطاب المواجهة، ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرَّا، لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم».
ثم قال ابن القطان:
«ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلًا به: ﴿وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾، فإنه يفهم منه أن القِرَطَةَ قد يعفيهنَّ عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف، فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيءمن ذلك، إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر في حين التصرف، إلا أن يستر بقصدٍ وتكلف مشقة، وكذلك الكفان، وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النَّبَطُ، فتبقى النحور والأعناق باديةً، فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر، وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر ...».
1 / 18
ثم قال الحافظ ابن القطان رحمه الله تعالى:
«فإن قيل: هذا الذي ذهبتَ إليه من أن المرأة معفوٌ لها عن بُدُوِ وجهها وكفيها - وإن كانت مأمورة بالسَّتر جهدها - يظهر خلافه من قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين﴾ سورة الأحزاب، الآية ٢٨.
فالجواب أن يقال:
يمكن أن يفسَّر هذا (الإدناء) تفسيرًا لا يناقض ما قلناه، وذلك بأن يكون معناه: يدنين عليهن من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة، مثل قوله: ﴿وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾، فإن
(الإدناء) المأمور به مطلقٌ بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه (إدناء)، فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه (إدناء) يقضي به عن عهدة الخطاب، إذ لم يطلب به كل (إدناء)، فإنه إيجاب بخلاف النهي
والنفي».
ويلاحظ القُرَّاءُ الكرام أن هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ
ابن القطان، يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهادًا مني، وتوفيقًا بين الأدلة: أن الآية مطلقة، كما ستراه مصرحًا به، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
نعم، حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين، لولا أن فيه ما بينَّاه في التعليق، إلا أنه من الممكن أن يقال: إنه يُقَوَّى بكثرة طرقه، وقد قوَّاه البيهقي، فيصلح حينئذ دليلًا على الجواز المذكور لا سيَّما وقد عمل به كثير من النساء في عهد النبي ﷺ، حيث كن يكشفن عن وجوههن وأيديهن بحضرته ﷺ وهو لا ينكر ذلك عليهن، وحديث عائشة رواه أبو داود والبيهقي والطبراني وغيرهم وقال أبو داود عقبه: (وهذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة) وقدورد من طرق أخرى يتقوى بها وقوَّاه البيهقي وذكر أن جماعة من الصحابة قد عملوا بمقتضاه. ... ويدل على أن الوجه والكفين لا يجب سترهما عدة أحاديث، نسوق ما يحضرنا الآن منها:
١ـ عن جابر بن عبد الله ﵁ قال:
«شهدت مع رسول الله ﷺ الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكَّرَهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن، وذكَّرَهنَّ، فقال: تصدقن فإن أكثركنَّ حطبُ جهنم، فقالت امرأة من سِطَةِ النساء [أي جالسةٌ في وسطهن] سفعاء الخدين [أي فيهما تَغَيرٌ وسوادٌ]، فقالت: لِمَ يا رسول الله؟
قال: لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن» رواه مسلم.
والحديث واضح الدلالة على ما من أجله أوردناه، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة
1 / 19
بأنها: سفعاء الخدين.
٢ـ عن ابن عباس [عن الفضل بن عباس]:
«أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله ﷺ في حجة الوداع [يوم النحر]، والفضل بن عباس رديف رسول الله ﷺ، [وكان الفضل رجلًا وضيئًا .... فوقف النبي ﷺ للناس يفتيهم]» الحديث، وفيه:
«فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها، وكانت امرأة حسناء، (وفي رواية: وضيئة)، (وفي رواية: فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها)، [وتنظر إليه]، فأخذ رسول الله ﷺ بذقن الفضل، فحوَّل وجهه من الشق الآخر» رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لأحمد من حديث الفضل نفسه:
«فكنت أنظر إليها، فنظر إليَّ النبي ﷺ فقلب وجهي عن وجهها، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها، حتى فعل ذلك ثلاثا وأنا لا أنتهي».
ورجاله ثقات، لكنه منقطع إن كان الحكم بن عتيبة لم يسمعه من ابن عباس.
وروى هذه القصة علي بن أبي طالب ﵁، وذكر أن الإستفتاء كان عند المنحر بعدما رمى رسول الله ﷺ الجمرة، وزاد:
فقال له العباس: يا رسول الله! لم لويت عنق ابن عمك؟ قال رأيت شابًا وشابةً فلم آمن الشيطان عليهما» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أحمد والضياء في المختارة وإسناده جيد.
والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن الوجه ليس بعورة، لأنه كما قال ابن حزم:
«ولو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء».
وفي «الفتح»:
«وقال ابن بطال: في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أُمنت الفتنة عليه لم يمتنع.
قال: ويؤيده أنه ﷺ لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها، فخشي الفتنة عليه.
وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم، وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن.
وفيه دليل على ان نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي ﷺ، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي ﷺ الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل. قال:
1 / 20
وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضًا، لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة، ولو رآه الغرباء».
هذا كله كلام ابن بطال وهو متين جيد.
غير أن الحافظ تعقبه بقوله: «قلت: وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة».
قلت: كلا، فإنه لا دليل على أنها كانت محرمة بل الظاهر خلافه، وقد ذكر الحافظ نفسه أن سؤال الخثعمية للنبي ﷺ إنما كان بعد رمي جمرة العقبة أي بعد التحلل.
٣ـ عن سهل بن سعد ﵁ -:
«أن امرأةً جاءت إلى رسول الله ﷺ[وهو في المسجد]، فقالت يا رسول الله! جئت لأهب لك نفسي، [فصمت، فلقد رأيتها قائمةً مليًا، أو قال: هوينًا]، فنظر إليها رسول الله ﷺ، فصعَّد النظر إليها وصوَّبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئًا جلست» الحديث رواه البخاري ومسلم.
٤ـ عن عائشة ﵂ قالت:
«كنَّ نساءُ المؤمنات يَشْهَدْنَ مع النبي ﷺ صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يُعرفن من الغلس» رواه البخاري ومسلم.
ووجه الإستدلال بها هو قولها: «لا يُعرفن من الغلس»، فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعُرفن، وإنما يُعرفن عادةً من وجوههن وهي مكشوفة، فثبت المطلوب.
وقد ذكر معنى هذا الشوكاني عن الباجي، ثم وَجدتُ رواية صريحة في ذلك بلفظ:
«وما يَعرفُ بعضُنا وجوهَ بعض» رواه أبو يعلى في مسنده بسند صحيح عنها.
٥ـ عن فاطمة بنت قيس:
«أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها ألبتة (وفي رواية: آخر ثلاث تطليقات)، وهو غائب ... فجاءت رسول الله ﷺ، فذكرت ذلك له ... فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك [عنده]، (وفي رواية: انتقلي إلى أم شريك - وأم شريك أمرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان - فقلت: سأفعل، فقال: لا تفعلي، إن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله ابن أم مكتوم [الأعمى] .... وهو من البطن الذي هي منه [فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك]، فانتقلتُ إليه، فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد،
1 / 21
فصليت مع رسول الله ﷺ، فلما قضى صلاته جلس على المنبر، فقال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ....») الحديث، رواه مسلم.
ووجه دلالة الحديث على أن الوجه ليس بعورة ظاهر، وذلك لأن النبي ﷺ أقرَّ ابنة قيس على أن يراها الرجال وعليها الخمار - وهو غطاء الرأس - فدل هذا على أن الوجه منها ليس بالواجب ستره كما يجب ستر رأسها ولكنه ﷺ خشي عليها أن يسقط الخمار عنها فيظهر منها ما هو محرم بالنص، فأمرها ﵊ بما هو الأحوط لها، وهو الانتقال إلى دار ابن أم مكتوم الأعمى؛ فإنه لا يراها إذا وضعت خمارها وحديث «أفعمياوان أنتما؟!» ضعيف الإسناد، منكر المتن؛ كما حققته في الضعيفة (٥٩٥٨).
ومعنى قوله ﷺ: «إذا وضعت خمارك»؛ أي: إذا حطته؛ كما في كتب اللغة.
وينبغي أن يُعلم أن هذه القصة وقعت في آخر حياته ﷺ، لأن فاطمة بنت قيس ذكرت أنها بعد انقضاء عدتها سمعت النبي ﷺ يحدث بحديث تميم الداري، وأنه جاء وأسلم.
وقد ثبت في ترجمة تميم أنه أسلم سنة تسع، فدلَّ ذلك على تأخر القصة عن آية الجلباب، فالحديث إذن نصٌ على أن الوجه ليس بعورة.
٦ـ عن ابن عباس ﵄:
«قيل له: شهدتَ العيدَ مع النبي ﷺ؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العَلَمَ الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلَّى [قال: فنزل نبي الله ﷺ، كأني أنظر إليه حين ُيجلِسُ الرجالَ بيده، ثم أقبل يشقهم]، ثم أتى النساء ومعه بلال، [فقال: ﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا﴾، فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله! قال:] فوعظهنَّ، وذكرهنَّ، وأمرهنَّ بالصدقة، [قال: فبسط بلال ثوبه، ثم قال: هلمَّ لكنَّ، فداكنَّ أبي وأمي]، فرأيتهنَّ يهوين بأيديهنَّ يقذفنه (وفي رواية: فجعلن يلقين الفتخ والخواتم) في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته» رواه البخاري.
قال ابن حزم بعد أن استدل بآية الضرب بالخمار على أن الوجه ليس بعورة:
«فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله ﷺ رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره».
1 / 22
قلت: وفي مبايعته ﷺ النساء في هذه القصة، دليل على أنها وقعت بعد فرض الجلباب؛ لأنه إنما فرض في السنة الثالثة، وآية المبايعة نزلت في السنة السادسة كما سيأتي ويؤيده ما ذكر في فتح الباري ٢/ ٣٧٧ أن شهود ابن عباس القصة كان بعد فتح مكة ويشهد له ما سيأتي.
٧ - عن ُسبَيْعَةَ بنت الحارث:
«أنها كانت تحت سعد بن خولة، فتوفي عنها في حجة الوداع، وكان بدريًا، فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته، فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلَّت من نفاسها، وقد اكتحلت [واختضبت وتهيأت]، فقال لها: اربعي - أي ارفقي - على نفسك - أو نحو هذا ـ] لعلَّك تريدين النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك، قالت: فأتيت النبي ﷺ، فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك، فقال: قد حللت حين وضعت» رواه أحمد من طريقين عنها أحدهما صحيح والآخر حسن وأصله في الصحيحين.
والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة وكذا الوجه أو العينين على الأقل وإلا لما جاز لسبيعة ﵂ أن تظهر ذلك أمام أبي السنابل ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه.
٨ - وعن ابن عباس أيضًا، قال:
«كانت امرأة تصلي خلف رسول الله ﷺ، حسناء من أحسن الناس، [قال ابن عياس: لا والله ما رأيت مثلها قط]، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه]، فأنزل الله تعالى: ﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم، ولقد علمنا المستأخرين﴾» رواه أصحاب السنن والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
ففي هذه الأحاديث دلالة على جواز كشف المرأة عن وجهها وكفيها، فهي تؤيد حديث عائشة المتقدم، وتبين أن ذلك هو المراد بقوله تعالى ﴿إلا ما ظهر منها﴾ (النور ٣١) كما سبق، على أن قوله تعالى فيما بعد: ﴿وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾ [النور: ٣١] يدل على ما دلت عليه بعض الأحاديث السابقة من عدم وجوب ستر المرأة لوجهها، لأن «الخُمُر» جمع خمار، وهو ما ُيغَطَّى به الرأس.
1 / 23