ونظر إلى النجوم وراح يحصي منها ما يستطيع عده. وأرهقه العد حتى جاءته نسمة عطرة من حديقة القصر. وهارون الرشيد جالس على أريكة تحت شجرة مشمش، والجواري يلعبن بين يديه، وأنت تصب له الخمر من إبريق من الذهب. ورق أمير المؤمنين حتى صار أصفى من الهواء، وقال لك: هات ما عندك.
ولم يكن عندك شيء فقلت قد هلكت، ولكن الجارية ضربت أوتار العود وغنت:
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني
على كبدي من خشية أن تصدعا
وليست عشيات الحمى برواجع
عليك ولكن خل عينيك تدمعا
فطرب الرشيد حتى ضرب بيديه ورجليه، فقلت: ها هي فرصة لتهرب. وانسحبت بخفة، ولكن الحارس العملاق لمحك فاتجه نحوك فجريت فجرى وراءك شاهرا سيفه فصرخت مستغيثا بآل رسول الله، فأقسم ليرمين بك في سجن بينهم.
5
استسلم للغروب بجسد منتعش بعد دش بارد. وانتشر في الجو النعاس والهدوء الشامل، وأسراب الحمام ترسم فوق النيل أفقا أبيض. لو في الإمكان أن يدعو المدير العام إلى العوامة لضمن لنفسه هدوءا كالغروب، ولاستل من قبضته البرنزية أشواكها المؤذية.
وحسا آخر حسوة من الفنجان السادة الممزوج بالسحر، ولعق بلسانه الرواسب.
Página desconocida