{ والذين كذبوا } الجنس أوالمذكورين بقوله: وقالوا
لولا أنزل عليه آية من ربه
[يونس: 20، الرعد: 7، 27] { بآياتنا } القرآن { صم } خبر أول { وبكم } خبر ثان بتوسط حرف العطف { فى الظلمات } خبر ثالث، عبارة عن العمى، كما قال
صم بكم عمى
[البقرة: 18، 171]، أو حال من المستتر فى بكم، وكلهم صم بكم فى الظلمات، وقيل المراد التقسيم إلى قسمين صم بكم، ويكفى فى ذلك العطف، وقدر بعضهم: بعض صم وبعض بكم، وجعل الجملة خبرا، فيكون فى الظلمات خبرا ثانيا وكلهم فى الظلمات، والمراد بالظلمات أنواع الكفر أو الجهل والعناد والتقليد، أو الضلال أو غضب الله وعقابه، لا يسمعون سماع قبول وتفكر، ولا ينطقون بالحق فهم كالأصم الأخرس زاد بالعمى، فإن الأصم الأخرس البصير يفهم عن غيره بالإشارة والكتابة، ويفهم عنه غيره كذلك، وقيل: المراد بالظلمات حقيقة ظلمات الآخرة { من يشإ الله } إضلاله { يضلله } بالخذلان فالله عز وجل مريد لكفر الكافرين، لا كما قالت المعتزلة أنه غير مريد له، والمعتزلة يحملونه الآية ونحوها على مشيئة الإجبار والقهر وهو خطأ ظاهر { ومن يشأ } هدايته { يجعله على صراط مستقيم } بالتوفيق، ومشيئته لا تتخلف، والهداية نفس الجعل على صراط مستقيم، وتنكيره تعظيم، وهو عين الإسلام، وقيل الإضلال عن الطريق فى الموقف إلى الجنة، والجعل على الصراط الهداية إلى الطريق فيه إلى الجنة ولا يتبادر.
[6.40-41]
{ قل أرأيتكم } أخبرونى يا أهل مكة عن حالتكم العجيبة لما كان العلم بالشيء للإخبار عنه، أو كان الإبصار به طريقا إلى الإحاطة به علما وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التى هى لطلب العلم أو لطلب الإبصار فى طلب الإخبار لاشتراكهما فى الطلب ففيه مجازان: استعمال رأى التى بمعنى علم أو أبصر فى الإخبار، واستعمال الهمزة التى هى لطلب الرؤية فى طلب الإخبار لأنها سبب للإخبار وملزوم له، قال الفراء: تقول العرب أرأيتك وتريد معنى أخبرنى، كقولك أرأيتك إن فعلت كذا ماذا تفعل أى أخبرنى، وتفرد التاء وتفتح، ولو ثنيت ما بعدها أو جمعته أو خوطب مؤنث تقول أرأيتكما وأريتكم وأرأيتكن لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل واقعا من المخاطب على نفسه فاكتفوا من علامة المخاطب بذكرها فى الكاف وما بعدها، وقال البصريون: التاء حرف خطاب كتاء أنت والكاف فاعل استعير للرفع، ودعاه لذلك لزوم إفراد التاء لأن العرب إذا ثنتها أو جمعتها لم يريدوا معنى أخبرنى بل يريدون معنى المفعولية للكاف، تقول: أرأيتك على غير هذا الحال، أى أرأيت نفسك، فتقول أرأيتماكما، وأرأيتموكم وأرأيتكن. وقال شيخه الكسائي: التاء فاعل والكاف مفعول به، وقال البصريون: الكاف حرف خطاب والتاء قبلها فاعل، ثم إنه لا يلزم من كون أرأيت بمعنى أخبرنى أن يتعدى بعن مثله، والمراد من التعجيب أخبرونى إخبارا يناسب حال الشدة { إن أتأكم } بغتة { عذاب الله } فى الدنيا سابقا على العذاب المعد لكم فى الآخرة كما أتى من قبلكم { أو أتتكم } أى بغتة، وإنما قدرت بغتة لأن المقام للتخويف { الساعة } ساعة موت الحيوانات كلها، والبعث والحشر وأهوال ذلك الحساب، وجواب إن محذوف فمن تدعون أو دعوتم الله، أو فأخبرونى عن حالكم، وزعم الرضى أن الجملة المصدرة بهمزة الاستفهام يجوز أن تكون جوابا ولا تقترن بالفاء وعليه فيجوز أن يكون أغير الله تدعون جواب إن، وليس كذلك وإن سلمنا مجيئها جوابا قرنت بالفاء المؤخرة عنها، ومفعول أرأيت محذوف، أى أرأيتكم آلهتكم تنفعكم، أو اتخاذكم غير الله نافعا أو كاشفا عنكم الضر، دل عليها وعلى الهول قوله تعالى { أغير الله تدعون } أو هذا سد مسدها، وعلق بالاستفهام الداخل على غير، ونافع يسهل همزة أرأيت بعد الراء إذا دخلت عليه الهمزة كما هنا ويبدلها ألفا محضة إذا لم تدخل الهمزة، كقوله تعالى
إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس
[النصر: 1 - 2] كما قيل عن نافع بخلاف ما فى الأيدى من نسخ المغاربة، واستفهام تبكيت والجاء إلى الإقرار بأنهم إنما يرجعون فى دفع العذاب والهول إلى الله لا إلى آلهتهم، ولذلك قال أولا { إن كنتم صادقين } فى أنها تدفع السوء، أو فى أنها آلهة، وجواب إن محذوف أى فادعوه، أى فادعوا غير الله، أخبرونى إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون، على أن أغير الله إلخ استئناف للتبكيت، أى أتخصون آلهتكم بالدعوة كما هو عادتكم إذا أصابكم ضر، أم تدعون الله عز وجل دونها، وقدر بعض فمن تدعون، وبعض دعوتم الله تعالى، وقدر بعض إن أتاكم عذاب الله تعالى فأخبروني عنه أتدعون غير الله تعالى لكشفه، وقال ثانيا:
{ بل إياه تدعون } فى كشف الضر فى الدنيا، قدم للحصر، وأما غير فقدم للاهتمام بآلهتهم على زعمهم أنها عظيمة وأنها نافعة { فيكشف ما } أى الضر الذى { تدعون } أى تدعونه أو تشركون بدعائها، أو تتركون إشراككم، وذلك { إليه } أى إلى كشفه { إن شاء } كشفه فى الدنيا، وأما فى الآخرة فلا يكشف عنهم الضر، وأما كشف ضر المحشر فإنما هو إلى أعظم منه وهو الخلود فى النار { وتنسون ما تشركون } أى تشركونه، أى تتركون فى الدنيا آلهتكم لما ركز فى قلوبكم من أن النافع الضار هو الله عز وجل، حتى أنهم إذا أرادوا ركوب السفينة قال لهم صاحبها أخلصوا فيخلصون، أو يخلصون ولو لم يأمرهم صاحبها، وكذا إذا هاج البحر يخلصون وإذا أسلموا إلى البر رجعوا إلى كفرهم، كما ذكر الله سبحانه وتعالى، أو معنى تنسون، إلخ.
Página desconocida