291

فاتقوا الله عباد الله وأجدوا في الطلب ونجاة الهرب، وبادروا بالعمل قبل منقطع المنهدات، وهادم اللذات، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجعاتها ولا تتوقى سوآتها غرور حائل، وشجى قاتل وسناد مائل، تضنى مستطرفها وتردي مستزيدها وتخيل مصرعها، وتصرم حبالها فاتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بالأثر، وازدجروا بالنذر، حل طالب المنية، وضمنتم بيت التراب، ودهمتكم الساعة بنفخة الصور، وبعثرة القبور، وسياقة المحشر إلى الحساب بإحاطة قدرة الجبار، كل نفس معها سائق وشهيد، سائق يسوقها لمحشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها، وأشرقت الأرض بنور ربها، ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء، وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون، فاربحت الأرض لنداء المنادي وكشفت عن ساق، وكان يوم التلاق، وكورت الشمس وحشرت الوحوش وارتجت الأفئدة، ونزل بأهل النار من الله سطوة مجتاحة، وعقوبة متاحة، وقربت الجحيم لها لجب وكلب ولهب ساطع، وتغيظ وتلظ وزفير ووعيد، تأجج جحيمها وغلى حميمها وتوقد سمومها، لا يهرم خالدها، ولا يضعن مقيمها ولا تفصم كبولها معهم ملائكة الزجر يبشرونهم بنزل من حميم وتصلية جحيم، هم عن الله محجوبون، ولأوليائه مفارقون وإلى النار منطلقون، حتى إذا أتوا جهنم قالوا: ما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين، قيل لهم: {وقفوهم إنهم مسئولون}[الصافات:24]، وجهنم تناديهم وهي مشرفة عليهم إلي بأهلي وعزة ربي لأنتقمن اليوم من أعدائه، ثم يناديهم ملك من الزبانية، ثم يسحبهم حتى يلقيهم في النار على وجوههم، ثم يقول: ذوقوا عذاب الحريق.

ثم أزلفت الجنة للمتقين مخضرة مخضارة للناظرين، فيها درجات لا يبيد نعيمها ولا يبؤس ساكنها، أمنوا الموت فصفا لهم ما فيها، فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، مع أزواج مطهرة، وحور عين كأنهن الياقوت والمرجان، مع حلية وآنية من فضة ولباس السندس الأخضر، والفواكه الدائمة، وتدخل عليهم الملائكة فتقول: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، فلا تزال الكرامة لهم حين وفدوا إلى خالقهم وقعدوا في داره ونالهم سلام قولا من رب رحيم.

فاسألوا الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة الذين خلقوا لها وخلقت لهم.

Página 337