Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Géneros
[3.196-200]
ثم أخبر عن ذلة أهل الدنيا وعزة أهل التقى في العقبى بقوله تعالى: { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } [آل عمران: 196]، إشارة في الآيتين: إن الله تعالى خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب { لا يغرنك } [آل عمران: 196] لمعنيين:
أحدهما: خطاب التكوين، إذ قال له: { لا يغرنك } [آل عمران: 196]، فكان كما قال: لا تغره أبدا، تنعم الذين كفروا وتمتعاتهم بنعيم الدنيا، يدل عليه قوله:
إنما قولنا لشيء إذآ أردناه أن نقول له كن فيكون
[النحل: 40].
والثاني: خاطبهم بهذا الخطاب؛ ليعلم أمته أنه صلى الله عليه وسلم مع كمال مرتبته وقوته خوطب بهذا؛ لاحتمال وقوعه في ورطة الغرور بالدنيا وتمتعاتها، فلا يأمن أحد على نفسه وتوقانها عن ورطة الغرور بها، ولا يغتر بغرور الشيطان، كما قال تعالى:
فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
[فاطر: 5]، فإنها { متاع قليل } [آل عمران: 197]؛ وهي مشرب النفوس الأمارة بالسوء، وصواحبها ذلك أيام قلائل، { ثم مأواهم جهنم } [آل عمران: 197]، البعد عن الحضرة ودركاتها، { وبئس المهاد } [آل عمران: 197].
{ لكن الذين اتقوا } [آل عمران: 198]، احترزوا عن الدنيا وما فيها تقربا إلى { ربهم لهم جنات } [آل عمران: 198]، القربة { تجري من تحتها الأنهار } [آل عمران: 198]، والكرامات والسعادات { خالدين فيها } [آل عمران: 198]، مخلدين فيها، لا انقطاع لتلك القربات والكرامات، { نزلا من عند الله } [آل عمران: 198]؛ أي: سبيل النزول من عند الله، هذه كلها { وما عند الله } [آل عمران: 198] من كمالات القرب ومشاهدات الجمال والجلال، { خير للأبرار } [آل عمران: 198] من نعيم الجنان والوقوف مع ما هو نزل لعباد الرحمن، وإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
ثم أخبر بفصل الخطاب عن مؤمني أهل الكتاب بقوله: { وإن من أهل الكتب } [آل عمران: 199]، إشارة في الآية: { وإن من أهل الكتب } [آل عمران: 199]؛ هم العلماء المتقون، { لمن يؤمن بالله } [آل عمران: 199]؛ يعني: يكون إيمانه من نتيجة نور الله الذي دخل قلبه، { ومآ أنزل إليكم } [آل عمران: 199] من الواردات والإلهامات والكشوف بأرباب القلوب، { ومآ أنزل إليهم } [آل عمران: 199]، من الخواطر الرحمانية، { خشعين لله } [آل عمران: 199]؛ أي: خاضعين له، تجلى الله لأسرارهم بصفات الجمال فعاشوا متواضعين له، كما قال صلى الله عليه وسلم:
Página desconocida