232

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Géneros

لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس

[النحل: 7]، { فإن أحصرتم } بعداوة النفس، وغلبة الهوى، وبملالة القلب، ودناءة النفس فيهدي بما كان الحصر منه، { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } [البقرة: 196]؛ معناه: لا تكونوا فارغين عنه مشغولين بغيره؛ حتى تبلغوا المقصد والمقصود.

{ فمن كان منكم مريضا } [البقرة: 196]؛ يعني: إن عارض لأحدكم مرض في الإرادة أو ضعف في الطلب { أو به أذى من رأسه } [البقرة: 196]؛ يعني: إذ يعله وتعتريه مانعات من إكماله من غير فترة من نفسه، فلم يجد بدا من الإقامة بفناء الرخص والنزول بساحة تأويلات العلم، فليجتهد أن لا ينصرف خطوة من الطريق ولا يعرض لمحة عن هذا الفريق، فإنه قال بعضهم: من أقبل على الله ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة فإن ما فاته أكثر مما ناله، بل يلازم عتبة الفقر، وليطلب الفرج بالصبر، ويتدارك الأمر بما أشار إليه بقوله تعالى: { ففدية من صيام } [البقرة: 196]؛ أي: الإمساك عن المشارب، { أو صدقة } [البقرة: 196]؛ أي: بالخروج عن المعلوم، والتقرب بما أمكنه من التضرع والابتهال والتطوف على الأولياء وخدمة الفقراء، { أو نسك } [البقرة: 196]؛ أو بذبح النفس في مقامات الشدائد، والصبر على البلاء، وبذل المجهود في طلب المقصود.

{ فإذآ أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } [البقرة: 196]؛ يعني: إذا زال الحصر وأشرق بنور الجبار هواء الزمان وقضاء العصر أقبل الجد الصاعد، والزمان المساعد، وتجدد عهد الطلب، وانقطع كلفة التعب، فليستأنف للوصلة وقتا، وليفرش للقربة بساطا، وليتجدد للقيام بحق السرور نشاطا، ولتقبل هي على البهجة، فقد مضت أيام المحنة، وليكمل الحج والعمرة، وليستدم القيام بحق الصحبة والخدمة، { فما استيسر من الهدي } [البقرة: 196]، فموجب الهدي لمعنيين.

أحدهما: الاستدراك ما فاته في أيام الفترة والوقفة، والاستغفار عنها، والثاني: الاستدراج ما استقبله من العواطف وشكرها، والهدي هو أن يهدي بأعز شيء من أمواله واجها إليه، ويصرفه عن أصحابه وإخوانه في الدين وأعوانه في الطلب، وينفقه على أرباب الهمم العلية من الفقراء الصادقين والأغنياء المتقين.

{ فمن لم يجد } [البقرة: 196]؛ يعني: في الظاهر يسارا أو سعة، { فصيام ثلاثة أيام في الحج } [البقرة: 196]، فعليه الإمساك عن مشارب حصول كمالات الوصول في تلك الحالة، { وسبعة إذا رجعتم } [البقرة: 196]؛ يعني: باقي العمر، { تلك عشرة كاملة } [البقرة: 196]؛ يعني: الإمساك عن المشارب كلها في غلبات الأحوال، وبعد الرجوع إلى عالم الأعمال من أوصاف الكمال وأخلاق الرجال، { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } [البقرة: 196]؛ يعني: ذلك التوفيق لدوام المراقبة في الإمساك لمن لم يكن مقيما في منزل من منازل النساك، بل يكون لقريب من الأوطان بل قريب من أهل الزمان، غريب في الأقران من الغرباء في آخر الزمان، الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم:

" فطوبى للغرباء ".

{ واتقوا الله } [البقرة: 196]؛ أي: احذروا أن تسكنوا في فترة أو وقفة، أو تركنوا في مشرب من هذه الشرائط، { واعلموا أن الله شديد العقاب } [البقرة: 196]، للغافلين من هذا الخطاب، والمعرضين عن طريق الصواب، الغائبين بذل الحجاب، المردودين إلى العذاب.

[2.197-202]

ثم أخبر عن أشهر الحج وشرائطها وحث على رعاية وسائطها بقوله تعالى: { الحج أشهر معلومات } [البقرة: 197]، الإشارة فيها أن قصد القاصدين إلى الله تعالى وطلب الطالبين؛ إنما يكون في أشهر معلومات وأيام معلومات من حياتهم الفانية في الدنيا، فأما بعد انقضاء الآجال وفناء الأعمال فلا يصلح لأحد السعي ولا يفيد القصد، كما لا يفيد للحاج القصد بعد مضي أشهر الحج؛ لقوله تعالى:

Página desconocida