أن شيئًا قد أظهر صوت الرعد، أو بريق البرق، أو غيره، فحقه وقياسه أن يقال: أرعد وأبرق، بألف، كما يقال: سقى وأسقى، بمعنيين مختلفين. وقد بينا ذلك في كتاب "الفرق بين فَعَل وأفْعَل". ولا يكون معنى رعد وأرعد واحدًا، ولا معنى برق وأبرق واحدًا، إلا أن يكون ذلك في لغتين متباينتين، ولذلك قال الكميت:
أرعد وأبرق يا يزيـ ـد فما وعيدك لي بضائر/
لأنه إنما أراد: أظهر صوتًا وبريقًا، فهددني بهما وأوعدني، فلذلك صار على بناء أوعد، لأن "يزيد" الذي خاطبه رجل؛ فلا رعد فيه ولا برق. وإنما كنى بهما عن الوعيد، وشبهه بهما. وإنما الرعد والبرق للسحاب، فمن أراد في السحاب مثل هذا المعنى لم يقله إلا بالألف أيضًا، على مثال أظهر؛ إلا أن يشبه الشاعر الموعد المتهدد بالسحاب، إذا بشر بالمطر، فيستعير له مثل فعل السحاب، فيقول: رعد وبرق، وليس ذلك بمنكر، في الشعر؛ لأن الاستعارة في الكلام من مذهب الشعراء والخطباء وغيرهم، إذا أرادوا المبالغة في المعنى. وكان الأصمعي لا يجيزه من السحاب، ولا من الوعيد بالألف؛ وذلك لأن الأصمعي صاحب رواية وسماع، وليس بصاحب قياس ونظر. وكان يخطّئ الكميت في هذا البيت ولا يحتاج بشعره، من أجل أنه قروي، متأدب كاتب. وليس ذلك مما يسقط به الشاعر وقد كان المرقش كاتبًا، وعدي بن زيد كاتبًا متأدبًا، وأمية بن أبي الصلت كاتبًا عالمًا، وقس بن ساعدة كذلك، وليس في أشعارهم مطعن لأحد، وكان أبو الأسود الدؤلي كاتبًا أديبًا عالمًا، وهو أمام النحويين في النحو، وأشعاره حجج لازمة. وكان علي ابن أبي طالب- ﵇ كاتبًا عالمًا، وشعره أقوى حجة. وإنما انحرف الأصمعي عن
1 / 76