ولا محبة بغير إرادة، فهي أساس العبودية الذي لا تقوم إلا عليه، فلا عبودية لمن لا إرادة له.
أما التجرد عن الإرادة إطاعة لهوى المحبوب، فهو عند ابن القيم باطل كما قيل:
أريد وصاله ويريد هجري
فأترك ما أريد لما يريد
والتحقيق عنده أن المحبة هي موافقة المحبوب في إرادته، بأن يبقى مراده مراد محبوبه، وهذا عند الصوفية نقص في العبودية وهو عند ابن القيم من كمال الإسلام.
وعلى هذا النحو يحل ابن القيم مشكلة التوفيق بين الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية لا بطريق الفلاسفة أو المعتزلة أو الأشاعرة أو الصوفية، بل بطريق المحبة.
المتصوفون وآراؤهم وطبقاتهم
كان للصوفية لغة خاصة بهم، وتعبيرات استقلوا بها في الإفصاح عن مذهب وحدة الوجود الذي كانوا يدينون به، ولكن هذه التعبيرات شاكت المسلمين وروعت الفقهاء وجعلتهم يحتاطون منهم، ويعتزلون مجالسهم، فلما رأى المتصوفون ذلك أعلنوا أن لهم حالتين مختلفتين؛ حالة الصحو،
1
وحالة الغيبوبة، فأما الأولى فهم ينطقون فيها بالشريعة، وأما الثانية فهم يعبرون فيها عن الحقيقة، وقد سمى الفقهاء تعبيراتهم في الحالة الأخيرة بالشطحات، وغفروها لهم، لأنها تصدر عنهم في حالة الغيبوبة التي تشبه النوم أو السكر المباح، ولكنهم لم يقبلوا هذه التعبيرات منهم في حالة الصحو مطلقا، بل عدوها جريمة تستوجب القصاص، ولهذا أفتوا بقتل «الحلاج»؛ لأنهم أثبتوا عليه أنه نطق بهذه التعبيرات في حالة الصحو، ومن هذه التعبيرات قولهم مثلا: «أنا الحق، أنا الأول، أنا من الكل والكل أنا، أنا العرش، أنا اللوح، أنا القلم، أنا منذ الأزل وإلى الأبد»، أو مثل قول الحلاج: «ما في الجبة غير الله.» إلى غير ذلك من الألفاظ التي توهم بظاهرها الكفر وتعبر في حقيقتها عن فكرة وحدة الوجود، وقد روى ابن خلكان عن الغزالي أنه لما اطلع على كلام الحلاج وافق عليه وحبذه وقال: إنه من فرط الحب للذات العلية والتفاني فيها، فهو من قبيل قول القائل:
Página desconocida