منِّي ثلاثا: لا تقاعد أهل الأهواء، ولا تستمع منهم، ولا تفسِّرَنّ القرآن برأيك فإنَّك لست من ذلك في شيء، وانظر هؤلاء الرّهط من أصحاب النبي، فلا تذكره إلا بخير". وفي رواية أخرى: "ثلاث ارفضوهن: مجِادلة أصحاب الأهواء، وشتم أصحاب رسول الله، والنظر في النجوم ... ".
وقد وقفت في تفسير ابن أبي زمنين (٤٣٩٩/١٠٠٩)، وهو مختصر لتفسير يحيى بن سلاّم، على نصوص معبِّرة منها:
"يحيى بن عمار الدهني ... عن الحسن قال، قال رسول الله ﷺ: "بني الإسلام على ثلاث: الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى آخر فئة من المسلمين، تكون هي التي تقاتل الدّجَّال، لا ينقصه جور من جار، والكفّ على أهل لا إله إلا الله أن يكفروهم بذنب، والمقادير خيرها وشرها من الله".
وجاء في موضع آخر: "يحيى عن عاصم بن حكيم ... . عن عليّ قال: "لا تنزلوا العارفين المحدثين الجنَّة ولا النَّار حتَّى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة".
فهذه الملاحظات، التي بدت فيها مبادئ الإرجاء ومصطلحاته كعبارة: الذنب لا يضر، وعدم التكفير بالذّنب، وإرجاء الحكم لله في العفو والعقاب، وفي الصحابة، تجعل الباحث يعود ليتساءل أن كان يحيى بن سلام من المرجئة.
إنّ الأقرب إلى الذّهن أن نقول: كان ابن سلاّم من مرجئة أهل السّنَّة لا من مرجئة البدعة.
فلقد قسم العلماء المرجئة إلى هذين القسمين الكبيرين. ومنهم من أدخل في القسم الأول أبا حنيفة، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن سليمان. فإنّ هؤلاء جميعا لا يكفرون بالذَّنب، ويرجئون الحكم لله في الجزاء، ويتوقَّفون عن الكلام في الصَّحابة، ﵃. وهذا هو ما ذهب إليه ابن سلاّم.
فإن صحَّت نسبة الإرجاء إلى ابن سلاّم فلا يمكن اعتباره من مرجئة البدعة الَّذين لا يحفلون بالأعمال، ما دام قد أكدَّ عليها كما رأينا ذلك. أمَّا ما ورد عنده من أحاديث تؤكد على أهميَّة الإيمان، وذمّ الشرك، فإنَّه لم يخالف بإيراده لذلك، أهل السّنَّة والجماعة.
1 / 81