مقدمة التحقيق
تقديم
يندرج تحقيق هذا الكتاب في نطاق خطة عملية تهدف إلى الكشف عن إسهام إفريقية التونسية في خدمة القرآن وعلومه. فقد وقفت الباحثة الفاضلة هند شلبي جهدها في السنوات الأخيرة على البحث في هذا الإسهام، مفيدة من ثقافتها العميقة وتخصصها المتين في أصول الدين الذي تخرجت فيه من الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين.
وبالرغم من أنه قد أنجزت لحد الآن دراسات تاريخية وحضارية تناولت الحياة الأدبية واللغوية في إفريقية، كما استهدفت التاريخ والسياسة والاجتماع على مدى يشمل أغلب أدوار إفريقية التاريخية فإننا لا نجد أية دراسة جادة اهتمت بالقرآن وعلومه في إفريقية خاصة في القرون الإسلامية الأولى، وهذا ما جعل عمل المحققة رائدا، فهو سيفتق للباحثين سبل البحث في القرآن وعلومه بإفريقية، وذلك بحكم طرحه لقضايا أصلية ما كان من اليسير الوقوف عليها أو تجليتها لو لم يكن للباحثة هذا الصبر البين على مثافنة النصوص، وتلك القدرة الفائقة على النقد والتحليل، وذلك التمرس البادي على الاستقراء والاستدلال.
إن صورة إفريقية من خلال كتاب التصاريف ليحيى بن سلام المغربي تبدو جلية، يتآلف فيها تعلق التونسيين بالقرآن، واستهداؤهم به، وإلحافهم في مقاومة البدع والأهواء.
وهذا الكتاب هو أحد الكتب الستة في الوجوه والنظائر التى ظهرت في القرن الثاني، وقد جلت جميعها اللفظ القرآني في تلاحق معانيه وسمو إعجازه، وكان أسبقها إلى الظهور كتاب التصاريف وكتاب مقاتل بن سليمان، بالإضافة إلى هذه القيمة اللغوية المتميزة فإنها ساعدت على تقريب علم التفسير بما أتاحته من الوقوف على مقاصد ألفاظ القرآن وطرائق بيانه وتنوع دلالته فأحكمت أفهام المختصين وأزاحت حيرة
1 / 5
المريدين، وغدت أداة طيعة في أيدي من لم تسعفه سليقته اللغوية بالوقوف على أسرار اللغة العربية، إما لقصور في ثقافته الدينية أو لجهله بالعربية وأساليبها بحكم انتسابه إلى غير العرب.
ومنذ ذلك الوقت تتالت التآليف في هذا الموضوع حسبما فصلته المحققة في المقدمة، وتلاحق الاهتمام باللفظ القرآني من حيث كونه غريبا، أو متشابها، أو مبهما، وتبعا لذلك تعددت التفاسير وزكت علوم القرآن، واختلفت مناهج المفسرين وفقا لاختلاف المذاهب الفقهية والعقدية. ولقد أبدعت المحققة في تعريفها للوجوه والنظائر بالانطلاق من تعريف الزركشي وما أثاره من ردود فعل مختلفة، وفي وضع اطار لترجمة ابن سلام تناول أهم القضايا المتعلقة به، كما أنها حددت طبيعة العلاقة بين هذا الكتاب لابن سلام وبين تفسيره من جهة، وبينهما وبين مذهبه وثقافة مجتمعه من جهة ثانية، فكشفت عن تضلع في اعتمادها الاستقراء والاستدلال والمقارنة، وهو اعتماد لا غنى عنه للباحث في ثقافة الإسلام.
إن كتاب التصاريف بتحقيقه ليدل على إبداع تونسي مزدوج، فهو إبداع مبكر من ابن سلام في خدمة القرآن وتقريبه من القراء والدارسين، وهو إبداع للمرأة التونسية يذكرنا بما كان لعدد من التونسيات في عهود مختلفة من شغف بالقرآن وانصراف إليه وعناية بكتابته واقتنائه وتحبيسه. وفي هذا النطاق يندرج إعداد المحققة لأطروحة للحصول على درجة دكتوراه الحلقة الثالثة من الكلية الزيتونية موضوعها: "القرآن وعلومه في تونس حتى منتصف القرن الخامس الهجري"، وهي قد أشرفت على الانتهاء منه، وبلا جدال فإن هذا الموضوع سيفتح آفاقًا للبحث تجلي إسهام تونس المبكر وتحض الباحثين على التعمق في دراسة موضوعات محددة تثري البحث وتنير السبيل التي عرفتها المباحث القرآنية في تلك الفترة.
نرجو الله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والسداد وأن يكلأنا برعايته وعونه، إنه هو السميع المجيب
1 / 6
تصدير
نضع بين يدي القارئ الكريم كتاب "التصاريف"، وهو في الوجوه والنظائر القرآنية. والكتاب - حسب ما ورد في المخطوط - ليحيى بن محمد بن يحيى بن سلام البصري (ت ١٨٠/٨٩٣) وقد رأينا نشر هذا المخطوط رغم ما به من نقص لأسباب:
- انتماؤه إلى التراث الثقافي بإفريقية الإسلامية التونسية.
٢- التعريف بالكتاب، لما لاحظناه من سكوت الناس عنه قديما وحديثا.
٣- إننا نملك منه نسخة نادرة، لا نعلم لها ثانية في المكتبات التي وقفناعلى فهارسها. وقد لاحظنا تلاشي عدد كبير من أوراقها. فكانت المبادرة إلى نشرها، ضمانا لحفظ ما تبقى منها.
وكتاب "التصاريف"، وإن لم يكن الأول في موضوعه ومادته، إذ قد ظهر قبله كتاب مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠/٧٦٧)، فإنه فرصة لنا نغتنمها للحديث عن فن الوجوه والنظائر بشيء من التفصيل.
ذلك أن ما اطلعنا عليه، مما نشر من كتب الوجوه والنظائر لم يحفل فيه المحققون بتفصيل القول في هذا الفن واكتفوا بتسجيل عبارة، كتب علوم القرآن في التعريف به، وهي كما سنرى موجزة لا تبرز موضوعه بوضوح، ولا تذكر منزلة هذا العلم بين بقية العلوم القرآنية الأخرى.
وقد أبقينا التأليف على هيأته التي وصل بها إلينا، فهو مقسم إلى فقرات وكل فقرة اشتملت على شرح لفظة من الألفاظ القرآنية.
وعمدنا إلى ترقيم هذه الفقرات ليتم الرجوع إليها بسهولة، وعند الإحالة نرجع إلى تلك الأرقام.
1 / 7
وقد سجل الناسخ في الجزءين الثاني والرابع، في الهوامش الجانبية، الكلمة التي سوف يقع البحث فيها مع المعنى الذي ذكرت به. وهو بهذا لا يضيف شيئًا إلى ما كتب داخل الفقرات. لذلك رأينا الاستغناء عن إيراد ذلك.
ثم إننا عمدنا في الهوامش إلى الإشارة إلى أرقام الآيات في المصحف، كما أشرنا إلى السورة كلما وجدنا ابن سلام قد أغفل ذكرها.
وأشرنا في الهوامش إلى الإضافات التي أدخلت على النص. وقد حرصنا على كتابة الآيات على الرسم التوقيفي الموجود بالمصحف المطبوع برواية حفص. وما وجدناه في النص مخالفا لهذه الرواية أشرنا إليه في الهامش مع ذكر صاحب تلك الرواية الأخرى. وعرفنا في الهوامش أيضًا بالأشخاص الذين ذكرهم ابن سلام عند نسبة الأقوال إلى قائليها.
أما النقص الموجود في النسخة بسبب تلف أجزاء بعض الأوراق، فقد حاولنا إكماله بالوقوف على كتب الوجوه والنظائر الموجودة بين يدينا خاصة منها كتاب مقاتل بين سليمان، للشبه الكبير الموجود بينه وبين كتاب التصاريف. وقد جعلنا ما نقلناه من تلك الكتب بين معقفين هكذا [] .
كما جعلنا للكتاب فهارس، لعلها تسهل البحث على الناظر في هذا الكتاب.
أما ترقيم المخطوط، فما اعتبرنا فيه ما ورد في النسخة الخطية، لأن الأرقام التي نلاحظها عليها ليست من وضع الناسخ، إنما هي وضع المرحوم الأستاذ البهلي النيال، وقد وضعها لغاية عملية، ولم يراع فيها تجزئة الكتاب مراعاة صحيحة. لذلك فضلنا وضع الأرقام متسلسلة من رقم: ١ إلى آخر ورقة في المخطوط.
وقبل الختام أود أن أذكر بتشجيعات أستاذي الجليل، الدكتور علي الشابي الذي تفضل بالإشراف على هذا التحقيق. وقد أنار لي السبل لإنجاز هذا العمل، بتوجيهاته القيمة فله جزيل الشكر.
كما أود أن أشكر كل من قدم لي مساعدة في هذا العمل وأخص بالذكر الأستاذ عز الدين قلوز، مدير دار الكتب الوطنية بتونس، وأسرة قسم المخطوطات بها وكذلك الأستاذ سعد غراب، فقد مكنوني من الاطلاع على قطع كتاب التصاريف، وغيرها من المخطوطات الموجودة بمكتبة القيروان الأثرية مما يتعلق بالبحث، قبل أن تتم فهرسة تلك المكتبة.
1 / 8
كما أقدم شكري إلى الأستاذ محمد العياري الذي أعارني صورا لمخطوطات تتعلق بهذا البحث.
أسأل الله التوفيق أولا وآخرا
1 / 9
علم الوجوه والنظائر القرآنية
موضوع الكتاب - عنوان المخطوط
ورد عنوان المخطوط بطريقتين مختلفتين:
ففي الورقة الأولى من الجزء الأول ورد العنوان على هذا النحو:
"الأول من التصاريف"
كما ورد في الجزء الرابع على نفس الصورة:
"الرابع من التصاريف"
ثم جاء العنوان في ظهر الورقة الأولى من الجزء الأول على النحو التالي:
"الأول من تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه"
وبالجمع بين الصورتين للعنوان نتبين موضوع الكتاب. فهو يتعلق بتفسير القرآن. وليس هو تفسيرا بأتم معنى الكلمة لأنه يتقيد بجانب معين من جوانب التفسير وهو: دراسة ألفاظ تكرر ورودها في القرآن، مع ذكر معانيها المختلفة التي جاءت بها في الآيات. يعني إيراد الوجوه التي يصرف إليها اللفظ الواحد في القرآن. فموضوع الكتاب إذن، علم من علوم القرآن عرف في الكتب التي تحدثت عن تلك العلوم بعلم الوجوه والنظائر أو النظائر
1 / 10
أو الألفاظ المشتركة.
ومما يلفت الانتباه بالنسبة لعنوان الكتاب، أن ابن سلام انفرد على ما نعلم، بهذه الطريقة في التسمية، فجميع ما وقفنا عليه من عناوين كتب الوجوه والنظائر، سلك فيه منهج متقارب في التسمية، ذكر فيه لفظ الوجوه أو الأشباه ولفظ النظائر سوى هذا التأليف الذي اختلف عنها بأن حدد موضوع كتابه في العنوان بأكثر دقة.
ولا يبتعد كتاب التصاريف عن المؤلفات الأخرى في استعمال المصطلحين الدالين على هذا العلم إذ أن المؤلف استعملهما داخل النص، فهو يردف كل كلمة يروم بيانها بعدد الوجوه التي جاءت بها في القرآن ويصدر كل معنى بلفظة الوجه، مشفوعة بالرقم المناسب لها على التسلسل.
كما يستعمل عبارة: ونظيرها، للدلالة على كون اللفظ ورد بنفس المعنى في آية أخرى. غير أنه إن لم نجد من بين كتب الوجوه والنظائر ما يشبه عنوانه عنوان كتاب ابن سلام. فإن مادة "صرف" قد وردت في تلك الكتب سواء منها المؤلفة في الفن نفسه أو المتحدثة عنه. ولعل ابن سلام ذاته قد أوردها فيما لم نقف عليه من بقية كتابه.
وبالرجوع إلى متون اللغة، نجد بأن المعاني التي أعطيت إلى هذه المادة ومشتقاتها يتضمن جميعها مفهوم الحركة والانتقال.
1 / 11
فالصرف هو رد الشيء عن وجهه، يعني إبعاده عما يكون عليه عادة، وتصريف الأمور هو الانتقال بها من حالة إلى أخرى والابتعاد بها عن الاستقرار. وتصريف الآيات، يعني تبيينها.
نستخلص من هذا أن الذي يدل عليه العنوان:
١- معنى البيان يعني الخروج باللفظ من الغموض إلى الوضوح والانتقال به من حالة إلى أخرى.
٢- تقليب اللفظ والانتقال به من معنى إلى آخر.
نضيف إلى هذا العلاقة الموجودة بين مفهوم التصريف اللاحق بأصل الكلمة في الاشتقاق، والتصريف اللاحق بالمعنى الذي يتغير بتغير الاشتقاق. ففي تفسير "إظهار" مثلا، ورد اللفظ في صورته الفعلية المجردة: "ظهر" والمزيدة "تظهرون" وفي مصادر متعددة "الظهور"، "الإظهار"، "التظاهر"، وفي صورتين اسميتين، "ظاهر"، "ظهري"، ولكل مشتق من هذه المشتقات معناه الخاص. وهذا خلاف ما ذهب إليه صاحب كشف الظنون في تعريفه للوجوه والنظائر.
وقد عقد الزركشي فصلا في كتابه سماه: "معرفة التصريف". عرفه بقوله: "وهو ما يلحق الكلمة ببنيتها ... . وفائدة التصريف حصول المعاني المختلفة المتشعبة عن معنى واحد".
ولمزيد من التعريف نعود إلى عبارتي الوجوه والنظائر فتتبع معانيها في كتب اللغة وكتب علوم القرآن بالإضافة إلى الكتب التي عمدت إلى التعريف بالعلوم عموما، مثل كتاب كشف الظنون، وكتاب كشاف اصطلاحات الفنون.
1 / 12
الوجوه والنظائر في كتب علوم القرآن وما تابعها من التآليف
يقول الزركشي في كتابه البرهان، في الباب الذي عنونه بقوله: "في جمع الوجوه والنظائر ما يلي: "فالوجوه، اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان كلفظ الأمة، والنظائر كالألفاظ المتواطئة. وقيل النظائر في اللفظ والوجوه في المعاني، وضعف لأنه لو أريد هذا لكان الجمع في الألفاظ المشتركة. وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة فيجعلون الوجوه نوعا لأقسام، والنظائر نوعا آخر، كالأمثال".
لقد فضلنا إيراد مقالة الزركشي كاملة لسببين:
١- اعتماد المؤلفين في علوم القرآن، وكذلك من عرَّفوا بالعلوم عامة على تلك المقالة، عند تعريفهم للوجوه والنظائر.
٢- شيء من الغموض فيها أحوجها إلى مزيد من التحليل.
وقد ذكرت عبارة الزركشي في الإتقان وفي مفتاح السعادة وفي كشاف اصطلاحات الفنون.
أما كشف الظنون فإنه قد شذ عن الجماعة، إذ عرف الوجوه والنظائر بما ضعفه الزركشي ومن أتى بعده.
أورد الزركشي تعريفين اعتمد أولهما وضعّف الثاني.
التعريف الأول للوجوه والنظائر عند الزركشي:
إن ما ذكره الزركشي في التعريف الأول للوجوه والنظائر، يلتحق بالتعريف اللغوي للكلمتين، إذ نتبين في الوجوه معنى التعدد، وفي النظائر معنى التشابه والاتفاق. ولعل ترجمة عبارة الزركشي في الوجوه، تصبح أقرب للأذهان لو قلنا الوجوه هي
1 / 17
المعاني المختلفة التي تكون للفظ الواحد في سياقات متعددة فيسمى اللفظ من أجل ذلك مشتركا. يعني تتشارك فيه معان متعددة. وقد ذكر السيوطي هذه المسألة في كتابيه الإتقان، ومعترك الأقران، فسمى بحثه مرة في معرفة الوجوه والنظائر. وجعله في الكتاب الثاني متعلقا بالألفاظ المشتركة في القرآن.
والملاحظ أن الزركشي قد استعمل في تعريف الوجوه والنظائر مصطلحين تابعين لعلم المنطق وهما: اللفظ المشترك، والألفاظ المتواطئة.
فالألفاظ المشتركة في كتب المنطق هي "الألفاظ المتحدة الدالة بالوضع المتساوي على مسميات مختلفة بالحقيقة، كلفظ العين الدال على عين الماء، والذهب والعضو الباصر".
فالوجوه إذن هي اللفظ المشترك باعتبار أن اللفظ الواحد تتعدد استعمالاته في القرآن دون أن تكون هنالك علاقة واضحة (في الظاهر) بين المعاني المختلفة التي استعمل فيها.
وقد مثل الزركشي للوجوه بكلمة "الأمة" التي أوردها ابن سلام في الجزء الأول من كتاب التصاريف وجعل لها تسعة وجوه أو معاني هي: عصبة، ملة، سنين، قوم، إمام، الأمم الخالية، أمة محمد خاصة، أمة محمد الكفار منهم خاصة، خلق.
أما النظائر فقد أوجز الزركشي في تعريفها إذ قال: "والنظائر كالألفاظ المتواطئة". وأضاف في موضع آخر: "فيجعلون (يعني الذين ألفوا في الوجوه والنظائر) الوجوه نوعا لأقسام، والنظائر نوعًا آخر كالأمثال".
وذكرنا منذ قليل أن عبارة "الألفاظ المتواطئة" هي بدورها من مصطلحات علم المنطق. وتدل هذه العبارة على "الألفاظ المتحدة الدالة على مسميات مختلفة الحقيقة باعتبار
1 / 18
معنى مشترك بينها كدلالة الحيوان على أنواعه: الإنسان، والفرس والطائر. فالتواطؤ في اللفظ هو عبارة عن اتفاق مسميات مختلفة على الاشتراك في اللفظ وفي معنى معين كالحيوانية في المثال السابق بالنسبة للانسان، والفرس والطائر.
وقد جعل الزركشي النظائر بمثابة الألفاظ المتواطئة. يعني ذلك أن اللفظ الواحد، إن تكرر وروده في مواضع متعددة من القرآن على معنى واحد، هو القسط المشترك بينها، تحصلنا على نظائر. فلفظ "الأمة"، عندما يرد في آيات متعددة (وهي ما يناسب المسميات في التعريف المنطقي) بمعنى عصبة (وهو ما يناسب المعنى المشترك بين المسميات) نسمي تلك الآيات نظائر، لاشتراكها جميعا في معنى واحد يجمع بينها. وكذلك عندما يرد لفظ الأمّة بمعنى "ملة" أو "سنين" الخ ...
ويؤيد هذا الذي انتهينا إليه، سقالة طاش كبرى زادة في النظائر. وهو يتفق مثل ما رأينا في تعريف الوجوه والنظائر مع الزركشي.
يقول طاش كبرى زادة: "ومثال النظائر: كل ما فيه من البروج، فهو الكواكب. إلا ﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ فهي القصور الطوال الحصينة. والمقصود من المثال إنما هو الجزء الأول منه، يعني "كل ما فيه من البروج فهو الكواكب" حيث نتبين التعريف اللغوي والتعريف المنطقي للفظة "نظائر".
فكلما وردت كلمة بروج في القرآن (خلا ذلك الموضع الذي أشار إليه المثال)، فإنها تعني الكواكب. معنى ذلك أن كل الآيات التي ورد فيها لفظ البروج بذلك المعنى، تعتبر نظائر لاتفاقها في المعنى المراد. فالعبرة إذن هنا بالاشتراك المعنوي إلى جانب الاشتراك اللفظي.
وهكذا فإن الفرق واضح بين الوجوه والنظائر في هذا التعريف. فبينا تدل الوجوه على التعدد في المسميات للفظ الواحد مع الفصل بينهما، تدل النظائر على التعدد في المسميات أيضا، ولكن مع الجمع بينها عن طريق معنى معين تشترك فيه. فتكون النظائر بذلك أمثالًا، يعني أشباها، يلتقي جميعها في معنى واحد. ويمكن
1 / 19
تقسيم هذا التعريف الأول للوجوه والنظائر في رسم بياني. (الرسم رقم: ١)
الشكل الأول
حيث أن ثلاث مجموعات من النظائر: مجموعة أولى تشمل الآيات المتضمنة لكلمة "أمة" بمعنى عصبة. فلفظة "أمة" في الآية الثانية من المجموعة الأولى نظيرة لفظة "أمة" في الآية الأولى من نفس تلك المجموعة لاتحادهما لفظا ومعنى. لفظة "أمة" في الآية الثالثة من هذه المجموعة، نظيرة للفظة "أمة" في الآية الثانية من نفس المجموعة، وهكذا في بقية آيات المجموعة، وقل نفس الشيء في المجموعتين الثانية والثالثة.
ففي كل مجموعة، ورد لفظ "أمة" على معنى واحد، في مواضع كثيرة من القرآن. ورد اللفظ في المجموعة الأولى في خمس نظائر وفي المجموعة الثانية في ثماني نظائر، وفي الثالثة في نظيرين.
وكما نطلق لفظ "نظير" على كلمة "أمة" في هذا المثال، نطلقه أيضا على الآية التي ورد فيها لفظ "أمة". يقول طاش كبرى زادة: "ومثال النظائر: كل ما فيه من البروج والكواكب. يعني كل الآيات التي ورد فيها البروج فهي تعني الكواكب. فهي إذن نظائر. ويعبر ابن سلام أحيانا عن النظائر بقوله "والتي في سورة كذا ... " كما جاء في الوجه الثاني من كلمة "لباس" حيث قال: "والتي في عم يتساءلون ﴿وَجَعَلْنَا الليل لِبَاسًا﴾ [الاية: ١٠] يعني بـ "التي" الآية.
التعريف الثاني للوجوه والنظائر عند الزركشي = تعريف حاجي خليفة:
أورد الزركشي تعريفا ثانيا للوجوه والنظائر، وذكر بأنه قد ضعف. لكنه لم يبين مَنْ ضعفه، ولم نقف بدورنا على من ذهب ذلك المذهب. إنما رأينا حاجي خليفة لا غير في تعريف الوجوه والنظائر سوى هذا التعريف.
يقول حاجي خليفة في حديثه عن علم الوجوه والنظائر: "ومعناه أن تكون كلمة واحدة، ذكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد، وحركة واحدة، أريد بها في كل مكان معنى غير الآخر. فلفظ كل كلمة ذكرت في موضع نظير لـ الكلمة المذكورة في الموضع الآخر، هو النظائر، وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الأخرى، هو الوجوه. فإذا النظائر اسم الألفاظ، والوجوه اسم المعاني". إن هذا التعريف مع التعريف السابق في معنى الوجوه. فهي المعاني المختلفة التي تصرف إليها اللفظة في القرآن. مثل تصرف لفظة "أمة" إلى: عصبة، ملة، سنين الخ ... .
1 / 20
لكنهما يفترقان افتراقا كليا في تعريف النظائر. وقد وقفنا قبل حين على التعريف اللغوي للنظائر فرأيناها تدل على التساوي في التشابه. لكن المقصود بها في هذا التعريف عكس ذلك تماما. فهي تعني هنا الانتقال باللفظ المشترك (يعني أمة في مثالنا) من معنى إلى آخر. يعني ذلك أن اللفظ المشترك الوارد بمعنى معين في مجموعة من الآيات يعتبر نظيرا لنفسه عندما يرد في مجموعة ثانية يكون فيها بمعنى ثان.
ويمكن أن نستعمل الرسم السابق لنجسم الفرق الحاصل بين التعريفين: (انظر الرسم رقم: ٢) .
الشكل الثاني
فالمقصود بالنظائر في هذا التعريف اللفظ الواحد، وبالتالي الآية التي ذكر فيها اللفظ، عندما يرد في سياقات مختلفة بمعان مختلفة. فيكون بذلك عدد النظائر في هذا التعريف على عدد الوجوه، مهما كان عدد الآيات المندرجة تحت كل معنى من معاني اللفظ المشترك. ولا يمكن الفصل بين الوجوه والنظائر في هذا التعريف، لأن النظائر تمثل التعبير اللفظي عن الوجوه.
فلفظة: "وجوه"، وبالتالي عبارة: "لفظ مشترك"، يتضمنان مفهوم النظائر ضرورة لأن اختلاف المعاني لا بد أن يبرز في اللفظ، وذلك ما تحققه النظائر.
وهذا هو المطعن الذي وجهه الزركشي إلى هذا التعريف. فهو يقول: "وقيل النظائر في اللفظ، والوجوه في المعاني. وضعف لأنه لو أريد هذا لكان الجمع (يعني الجميع: الوجوه والنظائر) في الألفاظ المشتركة". وهذا غير ممكن حسب الزركشي الذي توجه إلى واقع كتب الوجوه والنظائر، فوجدها تميز بين المصطلحين، ولم تجعل بينهما علاقة عضوية، من شأنها أن يتم عن طريقها معنى أحدها بالأخرى. فليست النظائر عند الزركشي سوى أمثال، يعني آيات متشابهة يتكرر فيها معنى معين من معاني اللفظ المشترك. فهي لا تضيف إلى مفهوم "الوجوه" أي شيء يذكر، بينما هي عند حاجي خليفة ضرورية لأنها تجسيم لفظي، يعبر عن الوجه المراد.
فالفرق بين الزركشي وبين حاجي خليفة في تعريف النظائر يتمثل في أن الأول قد سلك في تعريفها سبيل المناطقة، مراعيا الاتفاق المعنوي بين الألفاظ، إلى جانب الاتفاق اللفظي، بينما عمد حاجي خليفة إلى اعتبار التشابه اللفظي فحسب.
أي التعريفين أقرب إلى واقع كتب الوجوه والنظائر؟
يظهر أن التعريف الأول أقرب إلى واقع كتب الوجوه والنظائر من التعريف الثاني. ذلك أن المؤلفين في الوجوه والنظائر القرآنية يذكرون لفظة: "نظير" عند سرد الآيات
1 / 22
التي يعددونها في سياق التمثيل لوجه واحد من الوجوه التي تكون للفظ المشترك، بحيث يكون لكل وجه نظائره التابعة له، ولا يمكن لوجهين أن يشتركا في النظائر، فيميزون بذلك بين الوجوه والنظائر.
أضف إلى ذلك أن الاستعمالات الأخرى للفظة نظير، غالبا ما تركز على المعنى. وقبل أن ننهي الحديث عن تعريف الوجوه والنظائر، نذكر بأنه ليس من الضروري أن تكون الكلمة المشتركة - خلافا لما ذهب إليه حاجي خليفة - على لفظ واحد، وحركة واحدة، لأن الذي نلاحظه في كتب الوجوه والنظائر، استعمال اللفظة ومشتقاتها على السواء.
أسباب ظهور كتب الوجوه والنظائر القرآنية
لم نعثرعند من وقفنا عليهم ممن ألفوا في الوجوه والنظائر على ذكر واضح للأسباب التي دفعتهم للتأليف في هذا الفن. كما لم يبين المؤرخون لعلوم القرآن تلك الأسباب مثلما فعلوا عند حديثهم عن كتب الغريب.
ولعل العودة إلى مادة كتب الوجوه والنظائر تقربنا أكثر من الإجابة عن سبب التأليف فيها. ونود أن تقف قبل ذلك على سبب عام يمكن تقديمه لوضع هذا الفن في إطاره. ذلك أنه قد ظهر في عصر مبكر، إذ أن أقدم أثر فيه وصل إلينا يرجع إلى القرن الثاني للهجرة.
ولا يخفى أن هذا القرن يمتاز بنشاط الحركة العلمية، وتنافس المدن فيها. نخص بالذكر ذلك التنافس الذي ظهر بين الكوفة والبصرة حيث أقام مقاتل بن سليمان ويحيى ابن سلام.
وبحكم الاستقرار السياسي نسبيا، بظهور الدولة العباسية، وبحكم كثرة الاختلاط الناتج عن دخول كثير من الأعاجم في الإسلام، ظهر في هذا القرن اهتمام شديد باللغة، قصد به إلى الحفاظ على القرآن خاصة من التحريف، وبدأ التأليف يظهر في عدة ميادين: في الحديث، والتفسير، واللغة. وظهرت التآليف أجزاء مفرقة، تختص بمسألة ضيقة، يجمع فيها أصحابها ما بلغهم عنها من معلومات، ترتكز على
1 / 24
الرواية خاصة. وهكذا ظهرت رسائل في اللغة، تتعلق بموضوع معين، ككتاب الخيل، وكتاب النخل، وكتاب المطر وغيرها.
وظهرت رسائل تتعلق بعلوم قرآنية، في لغات القرآن، والناسخ والمنسوخ والتفسير وغيرها. فمن الطبيعي أن تظهر في هذا الإطار الثقافي كتب الوجوه والنظائر القرآنية التي تجمع بين الفهم اللغوي والتفسير القرآني، كما سنبين ذلك.
ونعود إلى مادة كتب الوجوه والنظائر نستجليها عن أسباب ظهور التأليف فيها. إن الذي نستنتجه، بعد وقوفنا على تعريف مصطلحات هذا العلم، أن الباحث يجد في كتب الوجوه والنظائر:
١) شرحا لألفاظ قرآنية روعي فيه السياق القرآني.
٢) جمعا لآيات اتفقت في اشتمالها على لفظ معين، يدل في كل مجموعة منها على معنى واحد من المعاني التي يتصرف إليها في النص القرآني.
فربما كانت هاتان المسألتان هما الحافزتان على التأليف في الوجوه والنظائر. وكلتاهما هدف قرآني، ما دام المؤلف يعمد في الأول إلى شرح اللفظ ببيان معناها المقصود في الآية فيتمكن بذلك المطلع على كتب الوجوه والنظائر من الإلمام بالمعاني القرآنية. ولا تخفى العلاقة الموجودة بين هذا وبين اللغة. فالمعاني التي تعطى عادة للألفاظ في كتب الوجوه، نجدها غالبا في كتب اللغة. يقول الهروي في كتابه الغريبين: "فإن اللغة العربية إنما يحتاج إليها لمعرفة غريبي القرآن وأحاديث الرسول ﵇، والصحابة والتابعين.
أما الهدف الثاني فهو شرح للقرآن بالقرآن، بتجميع الآيات المتحدة في المعنى في مكان واحد.
1 / 25
ولعله قصد بهذه الكتب إلى غاية عملية كانت سائدة في الكتب الدينية وغيرها، وأقصد بذلك تسهيل عملية الحفظ على الطلاب.
وقد وقفت في مقدمة تفسير ابن جزي، على فصل عقده لذكر "الكلمات التي يكثر دورها في القرآن، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء، والأفعال والحروف". فعلل أسباب جمعه لتلك الكلمات، وجعل من بينها حرصه على أن يلم المطلع على كتابه بتفسيرها، وأن يكون حفظه لها مجموعة أسهل عليه.
كذلك ورد في مقدمة كتاب النيسابوري في الوجوه والنظائر قوله: "ورتبته على حروف التهجي ليسهل على الباحث طلبها (يعني الأبواب) وعلى التحفظ (هكذا) حفظها".
وربما اعتبرنا ما أورده ابن جزي أيضًا سببا آخر للتأليف في هذا الفن. فقد اعتبر أنه من بين البواعث على الخلاف بين المفسرين، "اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر". فيكون ضبط معاني اللفظ القرآني الواحد، في مواضعه المختلفة داعيا إلى الحد من ذلك الخلاف.
هذه الأسباب عموما، هي التي نجدها أصلا للتأليف في بقية العلوم القرآنية. والمتعلقة باللفظ القرآني خاصة، مثل كتب الغريب، وكتب المتشابه، وكتب مبهمات القرآن وغيرها.
والهدف منها جميعا مزيد الاهتمام بالنص القرآني ضبطا، وحفظا.
وقد ذكرت المصادر حديثا يروونه عن أبي الدرداء فيه حث على تعليم وجوه القرآن وهذ نصه: "لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة".
واتفقت المصادر على أن الذي أورد هذا الحديث مقاتل بن سليمان في كتابه في نظائر القرآن. وهذا الحديث لم نقف عليه في كتب الصحاح. إنما أورده ابن سعد في طبقاته
1 / 26
وكأنه اعتبره كلاما لأبي الدرداء لا حديثا نبويا شريفا يرويه، إذ يقول: ... عن أبي قلابة أن أبا الدرداء كان يقول: "إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها".
وهذا الحديث لا يبتعد في اتجاهه عن الحديث الآخر الذي يحث على تعلم معاني الألفاظ القرآنية والإلمام بمعرفة غريبها. وقد روي عن أبي هريرة وغير ولفظه: "اعربوا القرآن والتمسوا غريبه".
والقريب من الذهن أن هذا الحديث ومثله مما وضع قصد الحث على الاهتمام بهذه المادة، ومما نعلمه من أسباب الوضع في الحديث الترغيب والترهيب.
ونضيف إلى هذا، أن الذي أورد الحديث مقاتل بن سليمان وهو كذاب.
غير أن السيوطي بدا عليه الاهتمام بهذا الحديث. وقد نقل في تفسيره له تأويلين اثنين:
التأويل الأول: يرجع إلى المعنى اللغوي للفظة وجوه. يعني أن يرى الباحث للفظ الواحد معاني متعددة في مواضع من القرآن.
التأويل الثاني: يلتحق بالتفسير الإشاري، حيث إن المقصود بالوجوه فيه "استعمال الإشارات الباطنة، وعدم الاقتصار على التفسير الظاهر".
ولعل تأليف الحكيم الترمذي يلتحق بهذا المفهوم للوجوه والنظائر، وكذلك ما نلمسه في تفاسير الشيعة عند اعتبارهم أن للقرآن ظاهرا وباطنا.
ثم إن السيوطي عاد إلى التأويل الأول، ليبين انعكاس احتمال اللفظ القرآني لوجوه متعددة على نفسية الناظر في القرآن. فإذا الوجوه تصبح كالحاجز المانع للباحث عن الخوض في التفسير. وهذه الفكرة ترتبط ارتباطا وثيقا بموقف المانعين عن الخوض في التفسير. "فقلت لأيوب (وهو من رجال السند عن أبي الدرداء
1 / 27
عند ابن عساكر) أرأيت قوله: "حتى ترى القرآن وجوها" أهو أن ترى له وجوها فتهاب الإقدام عليه؟ "قال: نعم، هو هذا".
وقد تجاوز انعكاس خاصية احتمال اللفظ القرآني لوجوه متعددة ميدان العلوم إلى الميدان العقدي، بل قل والسياسي كذلك. فذكر السيوطي أن ابن سعد أخرج عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال: "اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجّهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة".
غير أنه قد رأينا قبل حين بأن هذا ليس سببا كافيا للإمساك عن الخوض في التفسير، ويكفي المفسر أن يطلع على مختلف الوجوه للفظ القرآني لكي يعصم نفسه من الوقوع في الخطأ.
بهذا يمكن اعتبار علم الوجوه والنظائر من العلوم الأداة التي لا يحق لمفسر الاستغناء عنها.
كتب الوجوه والنظائر القرآنية
يمكن أن نعتبر التأليف في الوجوه والنظائر من أسبق ما ظهر في ميدان علوم القرآن. فقد ورد في كشف الظنون نقلا عن ابن الجوزي، أنه قد نسب في هذا العلم كتاب إلى عكرمة (ت١٠٥/٧٢٣) مولى ابن عباس، وآخر إلى علي بن أبي طلحة (ت١٤٣/٧٦٠) عن ابن عباس أيضا.
ويتفق هذا القول مع ما ذكره الإمام أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد الضرير النيسابوري الحيري في مقدمة كتابه: وجوه القرآن حيث قال: "ذكرت في هذا الكتاب وجوه القرآن. والسابق بهذا التصنيف، عبد الله بن عباس ﵁، ثم مقاتل ثم الكلبي".
1 / 28
لكن بقية المصادر تنطلق في ذكر كتب الوجوه والنظائر من كتاب مقاتل بن سليمان (ت١٥٠/٧٦٧) الذي توجد منه نسخة بمكتبة جامعة الدول العربية تحت رقم: [عمومية بايزيد ٥٦١. ٢٨٦ق. صغير الحجم] وقد تم نشره على يد د. عبد الله محمود شحاتة. وقد وضع المحقق مقدمة بين يدي الكتاب ضمنها دراسة حول مقاتل بن سليمان، في حياته وتهمته بالتشبيه والكذب، ونشاطه العلمي في الحديث، والتفسير، وعلوم القرآن. لكنه لم يتناول علم الوجوه والنظائر إلا بما ورد عند الزركشي.
ووضع المحقق هوامش، تعين القارئ على مزيد الإفادة من الكتاب، وذلك بالإشارة إلى أرقام الآيات الواردة في النص، وبتصويب ما جاء فيه من أخطاء.
وأغفل إلقاء بعض الأضواء على تأليف مقاتل بالرجوع إلى محتواه وقيمته وعلاقته بغيره من كتب هذا الفن.
واشتمل كتاب مقاتل على تفسير خمس وثمانين ومائة كلمة، لم يُراع فيها ترتيب معين. وأبقيت على ترتيبها الذي ذكرت عليه في الأصل. وقد اتفق كتاب مقاتل في ترتيب عدد كبير من كلماته مع كتاب التصاريف، واختلف في عدد آخر. أما كيفية تقديم الوجوه والنظائر فهي واحدة بين الكتابين. وإن اشترك كتاب التصاريف مع كتاب مقاتل في حوالي سبع وسبعين كلمة فقد تفرد بقرابة أربعين كلمة لم ترد عند مقاتل. كما اختلف الكتابان في عدد وجوه بعض الكلمات، فتفوقت الوجوه في كتاب التصاريف في أحد عشر موضعا، وتفوقت في كتاب مقاتل في ثلاثة مواضع.
ونود لفت الانتباه إلى الشبه الكبير الموجود بين الكتابين، بالنسبة للكلمات المشتركة بينهما. وقد يصبح هذا التشابه في مواضع عديدة تطابقا بين الكتابين. فكأن المسألة عملية نسخ من كتاب إلى آخر. ويبدو التطابق في عدد الوجوه المذكورة للكلمة، وفي طريقة تتاليها وفي الآيات النظائر المذكورة في كل وجه، بل وحتى في تسلسل عدد كبير من الكلمات المفسرة.
ولم أوفق إلى معرفة سر هذا التطابق معرفة قطعية. ذلك أن مقاتل بن سليمان لم يرد ذكره في كتاب التصاريف، مثلما ورد عند الدامغاني.
1 / 29
وإن قلنا بإمكانية نقل ابن سلام عنه دون الإشارة إليه، يعترضنا الاختلاف الذي لاحظناه بين الكتابين، فيجعل التصاريف غير كتاب الأشباه والنظائر لمقاتل.
وهنا نشير إلى ما سنذكره بعد حين حول الشبه الموجود بين التصاريف وبين تفسير يحيى الجد.
ولعل ما سنذهب إليه من ترجيح نسبه "التصاريف" إلى الجد يتأكد بهذا الشبه الموجود بين "التصاريف" وبين كتاب مقاتل.
ذلك أن مقاتل بي سليمان قد دخل البصرة وتوفي بها سنة (١٥٠/٧٦٧) وقد نشأ ابن سلام (١٢٤ - ٢٠٠/٧٤١ - ٨١٥) بالبصرة وأخذ عن عدد كبير من شيوخها. فلعله جلس إلى من جلس إليهم مقاتل فاشترك معه في السماع، ولعله جلس إلى مقاتل نفسه وأخذ عنه.
غير أنه لم يرد ذكر مقاتل فيما وقفنا عليه من تفسير ابن سلام (وهو أغلب التفسير)، كما لم تذكر له كتب التراجم تلمذة عليه، رغم اشتهار مقاتل الواسع في ميدان التفسير. ولا ينبغي أن نذهب إلى أن ابن سلام قد أمسك عن الرواية عن مقاتل، لما اشتهر به من الكذب والآراء الكلامية المرفوضة فسوف نرى ابن سلام الجد يروي عن أمثاله كالسدي والكلبي وغيرهما.
إذن كل ما نستطيع تقديمه حول التشابه الموجود بين الكتابين هو إمكانية اشتراك ابن السلام ومقاتل في الأخذ عن شيخ واحد في موضوع كتاب "التصاريف". وربما ذكرنا كذلك بان موضوع الكتاب ذاته يدعو إلى هذا التشابه فهو يتناول علما من علوم التفسير، والتفسير في تلك الفترة يرتكز أساسا على الرواية والنقل فلا يسمح فيه بإعمال الرأي. ومن هنا اتحدت وجوه الكلمات في الكتابين الا في القليل.
وبتتبع المصادر التي تحدثت عن علوم القرآن، وكذلك بمراجعة فهارس المكتبات، عثرنا على عدد من المؤلفين في الوجوه والنظائر. وتوزعت هذه التآليف بين القرنين ٢/٨ و١٠/١٥. فلا يكاد يخلو قرن بين هذين القرنين من كتب في هذا الفن. وقد لاحظنا أن أكثر القرون حظا بالنسبة لكتب الوجوه والنظائر هو القرن الثاني، فقد أحصينا فيه ستة مؤلفين هم:
1 / 30