El Camino de los Hermanos de la Pureza: Introducción al Gnosticismo Islámico
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Géneros
24
وآيات كثيرة في القرآن في هذا المعنى، وتفكرت في قول النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر؛ يعني مجاهدة النفس ... وفكرت في قوله عليه السلام: لكل إنسان شيطانان يغويانه ... وقوله: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ... وآيات كثيرة في القرآن في مثل هذا المعنى وأحاديث مروية أيضا ... ثم تأملت وبحثت ودققت النظر، فوجدت حقيقة معنى الشياطين، وكثرة جنود إبليس اللعين أجمعين، ومخالفتهم بني آدم، وعداوتهم لهم ووساوسهم إياهم، هي أمور باطنة وأسرار خفية مركوزة في الجبلة، مطبوعة في الخليقة، وهي الأخلاق الرديئة، والطباع المذمومة المنتشئة منذ الصبا مع الإنسان بالجهالات المتراكمة ... المنسوبة إلى النفس الشهوانية والنفس الغضبية. ثم تأملت ونظرت، فوجدت الخطاب في الأمر والنهي والوعد والوعيد والمدح والذم متوجها كله إلى النفس الناطقة العاقلة المميزة المستبصرة، ووجدتها هي بما توصف من الأخلاق الجميلة والمعارف الحقيقية والآراء الصحيحة والأعمال الزكية ملكا من الملائكة، بالإضافة إلى النفس الشهوانية الغضبية جميعا. ووجدت هاتين النفسين، أعني الشهوانية والغضبية، بما توصفان به من الجهالات المتراكمة والأخلاق المذمومة والطباع المركوزة والأفعال القبيحة التي لهما بلا فكر ولا روية كأنهما شيطانان بالإضافة إلى النفس الناطقة ...» (9: 1، 364-366).
هذا الشيطان الداخلي عند الإنسان، هو شيطان بالقوة، أي بالإمكان، ولكنه يتحول إلى شيطان بالفعل إذا حضرت المنية ولم يستكمل هذا الإنسان عملية الارتقاء وقهر النفس الشهوانية الغضبية: «إن في العالم نفوسا أفعالها ظاهرة وذواتها خفية يسمون الروحانين، وهم أجناس الملائكة وقبائل الجن وأحزاب الشياطين. فأجناس الملائكة هي نفوس خيرة موكلة بحفظ العالم وصلاح الخليقة، وقد كانت متجسدة قبل وقتا من الزمان [في أجسام بشرية] فتهذبت واستبصرت وفارقت أجسادها واستقلت بذاتها وفازت ونجت، وساحت في فضاء الأفلاك وسعة السماوات، فهي مغتبطة فرحانة مسرورة ملتذة ما دامت السماوات والأرض. وأما عفاريت الجن ومردة الشياطين، فهي نفوس شريرة مفسدة، وقد كانت متجسدة قبل وقتا من الزمان [في أجسام بشرية] فارقت أجسادها غير مستبصرة ولا متهذبة ... فهي سابحة في ظلمات بحر الهيولى، غائصة في قعر من الأجسام المظلمة ...» (30: 1، 142-143).
وأيضا: «اعلم أن النفوس المتجسدة الخيرة ملائكة بالقوة، فإذا فارقت أجسادها كانت ملائكة بالفعل ... كذلك النفوس المتجسدة الشريرة هي شياطين بالقوة، فإذا فارقت أجسادها كانت شياطين بالفعل. فهذه النفوس الشيطانية بالفعل توسوس للنفوس الشيطانية بالقوة لتخرجها إلى الفعل، كما قال تعالى: ... شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ...
25
فشياطين الإنس هي النفوس المتجسدة الشريرة آنست بالأجساد، وشياطين الجن هي النفوس الشريرة المفارقة للأجسام المحتجبة عن الأبصار. ومثل وسوسة هذه النفوس المفارقة لهذه النفوس المتجسدة، كمثل من قويت شهوته للطعام والشراب، وضعفت حرارته الهاضمة عن نضجها، فهو يشتهي ولا يستمرئ، فعند ذلك تكون همته أن يرى الطعام والآكلين لينظر إليهم، فيستريح عنها لضعف الآلة وبطلان فعل القوة ... وهذه حكم النفوس المفارقة ليست لها آلة تنال بها اللذات المحسوسة، فهي تحب وتوسوس إلى أبناء جنسها ممن لها تلك الآلة على الفعل» (30: 3، 81). فشياطين الجن إذن لا توسوس إلا لشياطين الإنس من أبناء جنسها، وليس لها من سلطان على عباد الله الصالحين وهم الذين أشار إليهم بقوله تعالى:
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ...
26
وقوله:
إلا عبادك منهم المخلصين »
Página desconocida