El Camino de los Hermanos de la Pureza: Introducción al Gnosticismo Islámico
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Géneros
وفي النبات نوع آخر فعله أيضا فعل النفس الحيوانية، لكن جسمه جسم النبات، وهو الكشوث. وذلك أن هذا النوع من النبات ليس له أصل ثابت في الأرض كما يكون لسائر النباتات، ولا له أوراق كأوراقها، بل إنها تلتف على الأشجار والزروع والشوك، فتمتص من رطوبتها وتتغذى بها كما يتغذى الدود الذي يدب على ورق الأشجار وقضبان النبات ويقرضها، فيأكلها ويتغذى بها ... قد بان بما وصفنا أن آخر الرتبة النباتية متصل بأول المرتبة الحيوانية، وأما سائر المراتب النباتية فهي بين هذين.
واعلم يا أخي بأن أول مرتبة الحيوان متصل بآخر مرتبة النبات ... فأدون الحيوان وأنقصه هو الذي ليس له إلا حاسة واحدة فقط، وهو الحلزون، وهو دودة في جوف أنبوبة، تنبت تلك الأنبوبة على الصخر الذي في سواحل البحار وشطوط الأنهار. وتلك الدودة تخرج نصف شخصها من جوف تلك الأنبوبة، وتبسط يمنة ويسرة تطلب مادة يتغذى بها جسمها، فإذا أحست برطوبة ولين انبسطت إليه، وإذا أحست بخشونة أو صلابة انقبضت وغاصت في جوف تلك الأنبوبة حذرا من مؤذ لجسمها ومفسد لهيكلها. وليس لها سمع ولا بصر ولا شم ولا ذوق، إلا الحس واللمس قط. وهكذا أكثر الديدان التي تتكون في الطين وفي قعر البحار وأعماق الأنهار ... فهذا النوع حيوان نباتي؛ لأن جسمه ينبت كما ينبت بعض النبات، ويقوم على ساقه قائما. وهو من أجل أن يتحرك جسمه حركة اختيارية حيوان، ومن أجل أنه ليست له إلا حاسة واحدة فهو أنقص الحيوان رتبة في الحيوانية. وتلك الحاسة أيضا قد يشارك بها النبات، وذلك أن النبات له حس اللمس فقط. والدليل على ذلك إرساله بعروقه نحو المواضع الندية، وامتناعه من إرسالها نحو الصخور واليبس. وأيضا فإنه متى اتفق منبته في مضيق مال وعدل عنه طالبا للفسحة والسعة ... فهذه الأفعال تدل على أن له حسا وتمييزا بمقدار الحاجة ...
فقد بان بما وصفنا كيفية مرتبة الحيوانية مما يلي النبات، فنريد أن نبين كيفية مرتبة الحيوانية مما يلي رتبة الإنسان فنقول: إن رتبة الحيوانية مما يلي رتبة الإنسانية ليست من وجه واحد ولكن من عدة وجوه. وذلك أن رتبة الإنسانية لما كانت معدنا للفضل وينبوعا للمناقب، لم يستوعبها نوع واحد من الحيوان ولكن عدة أنواع؛ فمنها ما قارب رتبة الإنسانية بصورة جسده مثل القرد، ومنها ما قاربها بالأخلاق النفسانية كالفرس في كثير من أخلاقه ... ومثل الفيل في ذكائه، وكالببغاء والهزاز ونحوهما من الأطيار الكثيرة الأصوات والألحان والنغمات، ومنها النحل اللطيف الصنائع، إلى ما شاكل هذه الأجناس، وذلك أنه ما من حيوان يستعمله الناس ويأنس بهم إلا ولنفسه قرب من نفس الإنسانية.
أما القرد، فلقرب شكل جسمه من شكل جسد الإنسان صارت نفسه تحاكي أفعال النفس الإنسانية، وذلك مشاهد منه متعارف بين الناس. وأما الفرس الكريم فإنه قد بلغ من كرم أخلاقه أنه صار مركبا للملوك، وذلك أنه ربما بلغ من أدبه أنه لا يبول ولا يروث ما دام بحضرة الملك أو حاملا له. وله أيضا ذكاء وإقدام في الهيجاء وصبر على الطعن والجراح، كما يكون الرجال الشجعان ... وأما الفيل فإنه يفهم الخطاب بذكائه، ويمتثل الأمر والنهي كما يمتثل الرجل العاقل المأمور المنهي. فهذه الحيوانات في آخر مرتبة الحيوان مما يلي رتبة الإنسان، لما يظهر فيها من الفضائل الإنسانية. وأما باقي أنواع الحيوانات فهي فيما بين هاتين المرتبتين» (21: 2، 166-170). «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن أحق النفوس الحيوانية أن تنتقل أن رتبة الإنسانية التي هي الخادمة للإنسان، المستأنسة به، المنقادة لأمره، المتعوبة في طاعته، الشقية في خدمته، وخاصة المذبوحة منها في القرابين. وعلى هذا المثال والقياس حكم النفوس الإنسانية ، فإن أحقها أن تنتقل إلى رتبة الملائكة التي هي الخادمة في أوامر الناموس ونواهيه، المنقادة لأحكامه، المتعوبة في حفظ أركانه» (9: 1، 320).
ونحن هنا أمام نظرية شمولية في مبدأ التناسخ التصاعدي المرافق لعملية الارتقاء الطبيعي والنفسي: «النفوس الجزئية إنما ربطت بأجسادها التي هي أجسام جزئية كيما تكمل فضائلها وتخرج كل ما في القوة والإمكان إلى الفعل والظهور من الفضائل والخيرات. ولم يمكن ذلك إلا بارتباطها بهذه الأجساد وتدبيراتها لها ... واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الباري جل ثناؤه لما رتب النفوس مراتبها كمراتب الأعداد المفردات كما اقتضت حكمته، جعل أولها متصلا بآخرها، وآخرها متصلا بأولها بوسائطها المرتبة بينهما. وذلك أنه رتب النفوس النباتية تحت الحيوانية وجعلها خادمة لها ورتب الحيوانية تحت الناطقة الإنسانية وجعلها خادمة لها، ورتب الناطقة الإنسانية تحت الحكمية وجعلها خادمة لها، ورتب العاقلة تحت الناموسية وجعلها خادمة لها، ورتب الناموسية تحت الملكية وجعلها خادمة لها. فأية نفس منها انقادت لرئيسها وامتثلت أمره في سياساتها نقلت إلى مرتبة رئيسها وصارت مثلها في الفعل» (9: 1، 318-320).
وأيضا: «واعلم يا أخي بأن مراتب النفوس ثلاثة أنواع، فمنها مرتبة الأنفس الإنسانية، ومنها ما فوقها، ومنها ما هي دونها؛ فالتي هي دونها سبع؛ والتي فوقها سبع أيضا، وجملتها خمس عشرة مرتبة. والمعلوم من هذه المراتب التي ذكرناها عند العلماء، ويمكن لكل عاقل أن يعرفها ويحس بها، خمس، منها اثنتان فوق رتبة الإنسانية وهي رتبة الملكية القدسية، ورتبة الملكية هي رتبة الحكمية، ورتبة القدسية هي رتبة النبوة والناموسية، واثنتان دونها وهي مرتبة النفس النباتية والحيوانية ... فأما المراتب التي دون النباتية وفوق القدسية فبعيدة معرفتها على المرتاضين بالعلوم الإلهية، فكيف على غيرهم.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الله، جل ثناؤه، لما ربط الأنفس الجزئية بالأجسام الجزئية للعلة التي ذكرناها، أيدها وأعانها بضروب من المعاونة وفنون من التأييدات، كل ذلك جود منه ولطف بها وإنعام منه عليها ... وذلك أنه كلما بلغت نفس منها رتبة ما، أمدها بزيادة فضلا منه وجودا، أو نقلها إلى ما فوقها وأرفع منها وأعز وأشرف وأجل وأكرم، كل ذلك ليبلغها إلى أقصى مدة غاياتها وتمام نهاياتها » (9: 1، 311-312).
وأيضا: «وكما قلنا في نفوس الإنسانية إنها تنتقل إلى رتبة الملائكة، فهكذا نقول أيضا في نفوس الملائكة إنها تترقى في درجات الجنان ومقاماتها في المعارف، كما ذكر الله تعالى: ... يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ...
5
وكما قلنا في تنقل نفوس الإنسانية إلى الملائكة، كذلك نقول في النفوس الحيوانية إنها ستنتقل إلى الرتبة الإنسانية على ممر الدهور والأزمان ...
Página desconocida