El Camino de los Hermanos de la Pureza: Introducción al Gnosticismo Islámico
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Géneros
واعلم يا أخي بأن قوى النفس الكلية الفلكية البسيطة التي ذكرنا أنها تعمل أجناس النبات وأنواعها هي التي ذكرت في كتب الأنبياء، عليهم السلام، أنها ملائكة الله وجنوده ... ونحن نسمي ما كان منها موكلا بالنبات النفس النباتية. واعلم يا أخي أن الله، جل ثناؤه، قد أيد النفس النباتية بسبع قوى فعالة، وهي: القوة الجاذبة، والقوة الماسكة، والقوة الهاضمة، والقوة الدافعة، والقوة الغاذية، والقوة المصورة، والقوة النامية.
واعلم بأن كل قوة من هذه تفعل شيئا خلاف ما تفعل القوة الأخرى في أجسام الحيوان والنبات. فأما أول فعلها في تكوين النبات فهو جذبها عصارات الأركان الأربعة، ومصها لطينها ... ثم إمساكها لها بالقوة الماسكة، ثم نضجها لها بالهاضمة، ثم دفعها إلى أطرافها بالدافعة، ثم تغذيتها لها بالغاذية، ثم النمو والزيادة في أقطارها بالنامية، ثم التصوير لها بأنواع الأشكال والأصباغ بالمصورة. وذلك أن القوة الجاذبة إذا مصت نداوة الماء بعروق النبات ... وجذبتها، انجذبت معها الأجزاء الترابية اللطيفة لشدة انجذابها، فإذا حصلت تلك المادة في عروق النبات أنضجتها الهاضمة، وصارت كيموسا على مزاج ما شاكلها من الجرم والعروق، وتناولتها القوة الغاذية وألصقت بكل شكل ما يلائمه من تلك المادة، وزادت في أقطارها طولا وعرضا وعمقا، وما فضل من تلك المادة ولطف ورق دفعته إلى فوق في أصول النبات وقضبانها وأغصانها، وجذبته الجاذبة إلى هناك، وأمسكته الماسكة لئلا يسيل راجعا إلى أسفل. ثم إن القوة الهاضمة تنضجها مرة ثانية ...
واعلم يا أخي أن النباتات هي كل جسم يخرج من الأرض ويتغذى وينمو، فمنها ما هي أشجار تغرس قضبانها أو عروقها، ومنها ما هي زروع تبذر حبوبها أو بذورها أو قضبانها، ومنها ما هي أجزاء تتكون من أجزاء الأركان إذا اختلطت وامتزجت، كالكلأ والحشائش. فهذه ثلاثة الأجناس يتنوع كل واحد منها أنواعا كثيرة من جهات عدة وصفات مختلفة، نحتاج أن نذكر منها طرفا، ونشرحها ليكون قياسا على باقيها ...» (21: 2، 152-158).
بعد ذلك يدخل الإخوان في تفاصيل عن هذه الأقسام الثلاثة، فيصفون أشكالها وأجناسها وأماكن نموها وأزمان نموها، ويصفون ثمارها وألوانها وطعومها، وما إلى ذلك مما لا نرى ضرورة للخوض فيه.
في تكون الحيوان
في رسالتهم عن كيفية تكوين الحيوانات وأصنافها، يقدم لنا إخوان الصفاء فصلا جديدا في نظريتهم عن التطور الطبيعي. فالنبات ظهر قبل الحيوان، والحيوان ظهر قبل الإنسان، والحيوانات الدنيا ظهرت قبل الحيوانات العليا. وقد تكون الحيوان والإنسان في المناطق الواقعة تحت خط الاستواء، فهناك تكون آدم وحواء ثم توالدا. أي إن آدم وحواء البشريان لم يعرفا الجنة قط، وإنما عرفها آدم وحواء الروحيان؛ وليست قصة الهبوط من الجنة، كما سنرى في فصول قادمة، إلا رواية عن قصة هبوط النفس من مكانتها السامية وحلولها في العالم المادي. كما أدرك الإخوان بحدسهم الصائب أن الحياة تكونت في البحار أولا: «واعلم أيها الأخ ، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الجواهر المعدنية هي في أدون مراتب المولدات من الكائنات، وهي كل جسم متكون منعقد من أجزاء الأركان الأربعة؛ وأن النبات يشارك الجواهر في كونها من الأركان، ويزيد عليها وينفصل بأنه كل جسم يتغذى من الأركان وينمو ويزيد في أقطاره الثلاثة طولا وعرضا وعمقا؛ وأن الحيوان يشارك النبات في الغذاء والنمو، ويزيد عليه وينفصل عنه بأنه جسم متحرك حساس؛ والإنسان يشارك النبات والحيوان في أوصافها ويزيد عليها وينفصل عنها بأنه ناطق مميز، جامع لهذه الأوصاف كلها.
ثم اعلم يا أخي بأن النبات متقدم الكون والوجود على الحيوان بالزمان؛ لأنه مادة لها، وهيولى لصورها، وغذاء لأجسادها، وهو كالوالدة للحيوان، أعني النبات. وذلك أنه يمتص رطوبات الماء ولطائف أجزاء الأرض بعروقه إلى أصوله، ثم يحيلها إلى ذاته، ويجعل من فضائل تلك المواد ورقا وثمارا وحبوبا نضيجا، ليتناول الحيوان غذاء صافيا هنيئا مريئا، وذلك كما تفعل الوالدة بالولد، فإنها تأكل الطعام نضيجا ونيئا وتناول ولدها لبنا خالصا سائغا للشاربين. فلو لم يكن النبات يفعل ذلك من الأركان لكان يحتاج الحيوان إلى أن يتغذى من الطين صرفا، ومن التراب سفا، ويكون منغصا في غذائه وملاذه. فانظر يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، إلى معرفة حكمة الباري، جل ثناؤه، كيف جعل النبات واسطة بين الحيوان وبين الأركان ... لطفا من الله تعالى بخلقه ...
ثم اعلم يا أخي، أيدك الله إيانا بروح منه، بأن من الحيوان ما هو تام الخلقة كامل الصورة كالتي تنزو وتحبل وترضع، ومنها ما هو ناقص الخلقة كالتي تتكون من العفونات، ومنها ما هو بين ذلك كالحشرات والهوام، التي تنفذ وتبيض وتحضن وتربي.
ثم اعلم بأن الحيوانات الناقصة الخلقة متقدمة الوجود على التامة الخلقة بالزمان في بدء الخلق، وذلك أنها تتكون في زمان قصير، والتي هي تامة الخلقة تتكون في زمان طويل لأسباب وعلل يطول شرحها. ونقول أيضا: إن حيوان الماء وجوده قبل وجود حيوان البر بزمان؛ لأن الماء قبل التراب، والبحر قبل البر في بدء الخلق .
واعلم يا أخي بأن الحيوانات التامة الخلقة كلها كان بدء كونها من الطين أولا، من ذكر وأنثى توالدت وتناسلت وانتشرت في الأرض سهلا وجبلا، وبرا وبحرا، من تحت خط الاستواء حيث يكون الليل والنهار متساويين، والزمان أبدا معتدلا هناك بين الحر والبرد، والمواد المتهيئة لقبول الصورة موجودة دائما. وهناك أيضا تكون أبونا آدم أبو البشر وزوجته، ثم توالدا وتناسلت أولادهما، وامتلأت الأرض منهم سهلا وجبلا، وبرا أو بحرا إلى يومنا هذا.
Página desconocida