El Camino de los Hermanos de la Pureza: Introducción al Gnosticismo Islámico
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Géneros
في تكون النبات (بوادر نظرية التطور)
للإخوان نظرية في التطور الطبيعي سبقت بنحو ألف عام الفكر التطوري الذي ظهر في العصور الحديثة في القرن التاسع عشر. فالمولدات الكائنات التي دون فلك القمر، وهي المعادن والنبات والحيوان، أصلها كلها من مادة واحدة، واختلافها بالصور فقط، وهي مرتبطة ببعضها البعض في نظام تسلسلي بواسطة حلقات وصل. «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الباري، جل ثناؤه، لما أبدع الموجودات واخترع الكائنات، جعل أصلها كلها من هيولى واحدة، وخالف بينها بالصور المختلفة، وجعلها أجناسا وأنواعا مختلفة متفننة متباينة، وقوى ما بين أطرافها، وربط أوائلها وأواخرها بما قبلها رباطا واحدا على ترتيب ونظام لما فيه من إتقان الحكمة وإحكام الصنعة لتكون الموجودات كلها عالما واحدا منتظما نظاما واحدا وترتيبا واحدا لتدل على صانع أحد.
فمن تلك الموجودات المختلفة الأجناس، المتباينة الأنواع، المربوطة أوائلها بأواخرها، وأواخرها بما قبلها في الترتيب والنظام، المولدات الكائنات التي دون فلك القمر، وهي أربعة أجناس: المعادن والنبات والحيوان والإنسان. وذلك أن كل جنس منها تحته أنواع كثيرة، فمنها ما هو في أدون المراتب، ومنها ما هو في أشرفها وأعلاها، ومنها ما هو بين الطرفين. فأدون أطراف المعادن مما يلي التراب الجص والزاج وأنواع الشبوب، والطرف الأشرف الياقوت والذهب الأحمر، والباقي بين هذين الطرفين من الشرف والدناءة.
وهكذا أيضا حكم النبات، فإنه أنواع كثيرة متباينة متفاوتة، ولكن منه ما هو في أدون الرتبة مما يلي رتبة المعادن، وهي خضراء الدمن، ومنها ما هو في أشرف الرتبة مما يلي رتبة الحيوان، وهي شجرة النخل. وبيان ذلك أن أول المرتبة النباتية وأدونها مما يلي التراب هي خضراء الدمن، وليس بشيء سوى غبار يتلبد على الأرض والصخور والأحجار، ثم تصيبه الأمطار وأنداء الليل، فيصبح بالغد كأنه نبت زرع وحشائش. فإذا أصابه حر شمس نصف النهار جف ...
وأما النخل فهو آخر المرتبة النباتية مما يلي الحيوانية، وذلك أن النخل نبات حيواني؛ لأن بعض أحواله مباين لأحوال النبات، وإن كان جسمه نباتا. بيان ذلك أن القوة الفاعلة منفصلة من القوة المنفعلة، والدليل على ذلك أن أشخاص الفحولة منه مباينة لأشخاص الإناث، ولأشخاص فحولته لقاح في إناثها كما يكون ذلك للحيوان ... وأيضا فإن النخل إذا قطعت رءوسها جفت وبطل نموها ونشوءها وماتت. كل ذلك موجود في الحيوان ...
فأدون الحيوان وأنقصه هو الذي ليس له إلا حاسة واحدة فقط، وهو الحلزون، وهي دودة في جوف أنبوبة ... تخرج نصف شخصها من جوف تلك الأنبوبة، وتبسط يمنة ويسرة تطلب مادة يتغذى بها جسمها ... وليس لها سمع ولا بصر ولا شم ولا ذوق إلا الحس اللمس فقط. وهكذا أيضا الديدان التي تتكون من الطين وفي قعر البحار وأعماق الأنهار ... لأن الحكمة الإلهية من مقتضاها أن لا تعطي الحيوان عضوا لا يحتاج إليه في جذب المنفعة ودفع المضرة؛ لأنها لو أعطته ما لا يحتاج إليه لكان وبالا عليه في حفظه وبقائه. فهذا النوع حيواني نباتي لأن جسمه ينبت كما ينبت بعض النبات، ويقوم على ساقه قائما؛ وهو من أجل غذائه يتحرك جسمه حركة اختيارية حيوانية، ومن أجل أنه ليست له إلا حاسة واحدة، فهو أنقص الحيوان رتبة في الحيوانية. وتلك الحاسة أيضا فقد يشارك بها النبات، وذلك أن النبات له حس اللمس فقط. والدليل على ذلك إرساله بعروقه نحو المواضع الندية، وامتناعه عن إرسالها نحو الصخور واليبس، وأيضا فإنه متى اتفق منبته في مضيف مال وعدل عنه طالبا الفسحة والسعة ... فهذه الأفعال تدل على أن له حسا وتمييزا بمقدار الحاجة.
إن رتبة الحيوانية مما يلي رتبة الإنسانية ليست من وجه واحد ولكن من عدة وجوه. وذلك أن رتبة الإنسانية لما كانت معدنا للفضل وينبوعا للمناقب، لم يستوعبها نوع واحد من الحيوان ولكن عدة أنواع، فمنها ما قارب رتبة الإنسانية بصورة جسده مثل القرد، ومنها ما قاربها بالأخلاق النفسانية كالفرس في كثير من أخلاقه ... والفيل في ذكائه، وكالببغاء والهزار ونحوهما من الأطيار الكثيرة الأصوات والألحان ... وما من حيوان يستعمله الناس ويأنس بهم إلا ولنفسه قرب من نفس الإنسانية» (21: 2، 166-170).
بعد شرحهم لتداخل مراتب المولدات الجزئيات يتابع الإخوان موضوع تكون النبات في رسالتهم المعنونة: «في أجناس النبات» وهذه مقاطع من أهم ما ورد فيها: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن النبات مصنوعات ظاهرة جلية لا تخفى، ولكن صانعها وعلتها باطنة خفية محتجبة عن إدراك الأبصار لها، وهي التي يسميها الفلاسفة القوى الطبيعية، ويسميها الناموس الملائكة وجنود الله الموكلين بتربية النبات وتوليد الحيوانات وتكوين المعادن، ونحن نسميها النفوس الجزئية. والعبارات مختلفة والمعنى واحد ...
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن لكل نوع من النبات أصلا، فما أصله لكيموس [= خليط] ما، وليكيموسه مزاج ما، لا يتكون من ذلك المزاج إلا ذلك الكيموس، ولا يتكون من ذلك الكيموس إلا ذلك النوع من النبات، وإن كان يسقى بماء واحد، وينبت في تربة واحدة، ويلحقها نسيم هواء واحد، وتنضجها حرارة شمس واحدة ... وذلك أن أجزاء الأركان إذا اجتمعت واختلطت وامتزجت واتحدت، صارت هيولى، ليتكون النبات. والمسبب في اجتماعها واختلاطها هو دوران الأفلاك حول الأركان، ومسيرات الكواكب في البروج، ومطارح شعاعاتها في جو الهواء نحو مركز الأرض. كل ذلك بإذن الله تعالى ولطيف حكمته، فهو الذي خلق الأفلاك وأدارها، وقسم البروج وأطلعها، وصور الكواكب وسيرها ... وأما كيفية ذلك فنحن نذكرها ونبينها لقوم يعقلون ...
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الشمس إذا طلعت على آفاق البلاد ... حميت مياه البحار والأنهار، ولطفت أجزاؤها وصارت بخارا لطيفا خفيفا وصارت غيوما ... وساقتها الرياح إلى رءوس الجبال والبراري والقفار والقرى والسوادات والمزارع، وهطلت هناك الأمطار، وابتل وجه الأرض، وشرب التراب رطوبة الماء، واختلطت أجزاؤه واتحدت؛ فإذا طلعت الشمس على وجه الأرض وسخنتها حيث تلك الأجزاء المائية، جفت وأخذت ترتقي من قعر الأرض إلى وجهها، ورفعت معها تلك الأجزاء الأرضية المتحدة بها إلى ظاهر سطح الأرض، ثم إن قوى النفس البسيطة التي هي دون فلك القمر السارية في الأركان، تصور من تلك المادة أنواع النبات بفنون أشكالها وألوان أصباغها، كما يعمل الصناع البشريون في أسواق المدن فنون المصنوعات من الهيولات الموضوعات في صناعتهم ...
Página desconocida