El Camino de los Hermanos de la Pureza: Introducción al Gnosticismo Islámico
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Géneros
ومن الناس ممن فوق هؤلاء من العلوم والمعارف والنظر والمشاهد، يرى ويعتقد أنه ليس بشخص ولا صورة بل هوية وحدانية، ذو قوة واحدة وأفعال كثيرة وصنائع عجيبة، لا يعلم أحد من خلقه ما هو، وأين هو، وكيف هو، وهو الفائض منه وجود الموجودات، وهو المظهر صورة الكائنات في الهيولى، المبدع جميع الكيفيات بلا زمان ولا مكان، بل قال كن، فكان، وهو موجود في كل شيء من غير المخالطة، ومع كل شيء من غير الممازجة، كوجود الواحد في كل عدد. كما وصفنا في رسالة المبادئ.
ثم اعلم أن الله تعالى جعل بواجب حكمته، في جبلة النفوس، معرفة هويته طبعا من غير تعلم ولا اكتساب، لتكون تلك المعرفة داعية لها ومؤدية إلى طلب ماهيته ومعرفة آنيته، ولتكون طلبتها في هذه المعارف داعية لها ومؤدية إلى إحكام جميع العلوم والمعارف الإلهية والطبيعية والرياضية والعقلية والحسية، حتى إذا أحكمت [أي النفوس] هذه العلوم والمعارف، عرفته عند ذلك حق معرفته، وسكنت إليه واطمأنت وثبتت معه، ونالت السعادة القصوى التي هي سعادة الآخرة» (42: 3، 514-516).
إن نقطة الانطلاق في أي نظرية عقلية للتكوين هي إثبات حدوث العالم ونفي صفة القدم عنه. من هنا يجادل الإخوان في أكثر من موضع في رسائلهم من يقول بقدم العالم وما ينجم عن ذلك من نفي صانع له. فالعالم محدث، وكل محدث لا بد له من محدث وموجد. ومن جملة ما أوردوه من براهين على حدوث العالم قولهم: «ثم اعلم أن غرضنا من ذكر حركات العالم وحركات أجزائه الكليات والجزئيات وفنون تصاريفها، هو بيان بطلان قول من يقول بقدم العالم، وذلك لأن الحركات المختلفة تدل على اختلافها، والمتحرك والمختلف الأحوال لا يكون قديما؛ لأن القديم هو الذي يكون على حالة واحدة لا يتغير ولا يستحيل ولا يحدث له حال، ولذلك ليس يوجد موجود هذا شأنه إلا الله الواحد الأحد ...
ثم اعلم أن الذين قالوا بقدم العالم ظنوا بأنه ساكن، والساكن لا تختلف أحواله، وليس الأمر كما ظنوا وتوهموا من سكون العالم، كما بينا فيما تقدم بكثرة حركات كلياته وجزئياته ما لا تنكره العقول السليمة: فمنها حركات الكواكب، ودوران الأفلاك، واستحالات الأركان، وتكوين المولدات مما لا خفاء به.
ولعمري إن الفلك المحيط هو جسم كروي محيط بسائر الأشياء والأفلاك، وهو ساكن في مقره لا ينتقل منه، ولكنه متحرك الأجزاء كله. وكل فلك، من الأفلاك المستديرة، والأفلاك الخارجة المراكز، يدور كل واحد حول مركزه الخاص، لا يقر ولا يهدأ طرفة عين» (39: 3، 332). «فإن كان المراد بالقديم أنه قد أتى عليه زمان طويل، فالقول صحيح؛ وإن كان المراد به أنه لم يزل ثابت العين على ما هو عليه الآن، فلا؛ لأن العالم ليس بثابت العين على حالة واحدة طرفة عين، فضلا عن أن يكون لم يزل على ما هو عليه الآن» (14: 1، 447). «واعلم يا أخي بأن الحافظ للعالم على هذه الصورة، هو سرعة حركة الفلك المحيط، والمحرك للفك هو غير الفلك، و[اعلم] أن [في] تسكين الفلك عن الحركة بطلان العالم . وإنما يكون طرفة عين، كما قال عز وجل: ... وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب .
2
واعلم بأنه إذا وقف الفلك عن الدوران، وقفت الكواكب عن مسيرها، والبروج عن طلوعها وغروبها، وعند ذلك تبطل صورة العالم وقوامه، وتقوم القيامة الكبرى» (14: 1، 447-448). «ثم اعلم أن الآراء الفاسدة كثيرة لا يحصى عددها ... فمن ذلك رأي من رأى واعتقد أن العالم قديم لا صانع ولا مدبر له، وإن هذا الرأي مؤلم لنفوس معتقديه، معذب لقلوبهم، وذلك أنه لا يخلو أن يكون صاحب هذا الرأي سعيد أهل الدنيا أو من أشقيائهم؛ فإن كان من سعدائهم فإنه لا يدري من أين له هذا، وما هو فيه، ولا يدري من أعطاه ذلك ليشكر له، ويطلب منه المزيد ويرجو منه خيرا مما أعطي إما من الدنيا وإما في الآخرة. وقد علم يقينا أن الذي فيه من النعمة ورغد العيش لا يدوم له، وأنه مفارقه على رغمه، مع شدة محبته للبقاء فيما هو فيه ... فيعيش طول عمره خائفا من الموت وجلا من الفناء مشفقا من الهلاك، ثم يموت على رغم وحسرة وندامة لا يرجو بعد الموت خيرا ... وإن كان من أشقيائها فهو أسوأ حالا وأمر عيشا وأشر سيرة من غيره، وذلك أنه يفني عمره كله بجهل وعناء وتعب وشقاء في طلب ما لم يقدر له ... فهو بجهله بربه، يعيش طول عمره مغتما حزينا، ضجرا لما رأى أنه فاته ما وجد غيره، ثم يموت بحسرة وغصة وندامة لا يرجو بعد الموت خيرا» (42: 3، 520). «فأما من يعتقد خلاف ذلك، وهو يعتقد أن العالم محدث مصنوع بقصد قاصد، وفعل حكيم، فإنه يعرض له عند ذلك خواطر عجيبة، وفكر وروية، واعتبار وبصيرة، وسؤالات طريفة، ومباحث لطيفة عن العلوم الشريفة، ويكون في ذلك النجاة والسبب لانتباه النفس من نوم الغفلة، وتتفتح له عين البصيرة، ويحيا حياة العلماء، ويعيش عيش السعداء في الدنيا والآخرة جميعا» (39: 3، 340-341).
وأيضا: «ثم اعلم أن أحد الآراء الصحيحة ، المنجية لنفوس معتقديها، اعتقاد الموحدين بأن العالم محدث مخترع مطوي في قبضة باريه ، محتاج إليه في بقائه، مفتقر إليه في دوامه، لا يستغني عنه طرفة عين، ولا عن مداد الفيض عليه ساعة فساعة؛ وأنه لو منعه ذلك الفيض والحفظ والإمساك لحظة واحدة، لتهافتت السماوات، وبادت الأفلاك، وتساقطت الكواكب ... ودثر العالم دفعة واحدة بلا زمان ...
واعلم يا أخي أن من يعتقد هذا الرأي، ويتحقق هذا الاعتقاد في أمر السماوات والأرض، فهو في دائم الأوقات يكون متعلق القلب بربه، معتصما بحبله، متوكلا عليه في جميع أحواله، مسندا ظهره إليه في جميع تصرفاته، داعيا له في جميع أوقاته، سائلا منه كل حوائجه، مفوضا إليه سائر أموره؛ فيكون بهذه الأوصاف قربة إلى ربه، وحياة لنفسه» (38: 3، 296-297).
فإذا كان العالم محدثا فلا بد له من محدث، وهنا ندخل في صلب نظرية التكوين الصفائية، حيث يتناوب الإخوان بين الفيثاغورية التي تقوم على علم العدد، والأفلاطونية التي تقول بالفيض. فهم يقربون فكرة نشوء كثرة الموجودات عن الله الواحد من خلال ما وجدوه في علم العدد من نشوء كثرة الأعداد عن الرقم الواحد، الذي هو أصلها ومبتدؤها: «فالواحد بالحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ولا ينقسم، وكل ما لا ينقسم فهو واحد من تلك الجهة التي بها لا ينقسم ... وأما الكثرة فهي جملة لآحاد؛ وأول الكثرة الاثنان، ثم الثلاثة، ثم الأربعة، ثم الخمسة، وما زاد على ذلك بالغا ما بلغ ... والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدؤه، ومنه ينشأ العدد كله، صحيحه وكسوره، وإليه ينحل راجعا. أما نشوء الصحيح فبالتزايد، وأما الكسور فبالتجزؤ ...
Página desconocida