وترامى إليه هدير الموج من الأنفوشي، فقال بأمل: «بداية حسنة.» وقال الشيخ: وتعب كليالي الشتاء.
اليوم بسنة وكم هي باهظة التكاليف. - وستنال مطلوبك.
وفي جزع سأله: ما مطلوبي؟ - إنه ينتظرك بفارغ الصبر. - هل يدري بي؟ - إنه ينتظرك.
لعل أمه لم تقل له كل شيء. - إذن هو حي. - الحمد لله. - وأين أجده؟ فهذا ما يعنيني حقا! - الصبر. - لا يمكن الصبر إلى ما لا نهاية. - أنت في البدء. - في الإسكندرية؟
أغمض الرجل جفنيه، ثم تمتم: أبشرك بالصبر.
وقطب مغتاظا، ثم قال: لم تقل شيئا.
فقال الشيخ محولا عنه رأسه: قلت كل شيء.
وخرج إلى جو عاصف تركض فيه السحب مثقلة بالظلمات. وقال: دجالون وعاهرات، والنقود تبعثر بلا حساب. وعزم على بيع أثاث شقته تمهيدا للسفر إلى القاهرة.
وكان قد باع التحف الرشيقة في محنته ليواجه بثمنها نفقات معيشته الخيالية. وكره دعوة السماسرة إلى شقته، فقصد المعلمة نبوية صديقة أمه الحميمة، والشخصية الوحيدة التي لم يكرهها في ذلك الوسط. وقالت وهي تقدم له خرطوم النارجيلة: سأشتري أثاثك على العين والرأس، ولكن لماذا تهجر بلدك؟ - سأشق لي طريقا في القاهرة بعيدا عن الخلق. - الله يرحم أمك، أحبتك ودللتك فسدت في وجهك سبل الرزق.
وأدرك ما تعنيه فقال: لم أعد أصلح لهذه المهن. - وماذا تفعل في القاهرة؟ - صديق هناك وعدني خيرا.
Página desconocida