فضحك الرجل قائلا: بعض الظن إثم.
ألم يدر ذلك برأس المحقق؟ ولكن كريمة صامتة كالموت. وهذا التليفون لا يحقق رجاء قط. والبرد والمطر والوحل لم تسكت صوت الشحاذ. وناداه محمد الساوي وهو يشير إلى السماعة، فهرع إلى التليفون بتوسل معذب: آلو. - صابر؟
لم يتخيل يوما أن يتلقى صوتها بهذه الخيبة: إلهام، كيف حالك؟ - هل أضايقك؟ - أبدا، سترين أنه المرض وسوف أنتظرك اليوم.
إن قطعها بلا تمهيد لفوق الطاقة، ولكن ما أيسر أن يجعلها هي القاطعة! يجب أن يبعدها عن وحل طريقه ولو بجراحة أليمة. وها هي لا تدري شيئا عن أفكاره فتبتسم في عتاب، وتطالعه بصفاء لا يكدره شيء. آه .. كيف أمكن أن يحبها ذلك الحب العميق الصادق! وتصافحا بقوة وهي تقول: ألا تشعر بالذنب؟
وتوقفت عن الكلام وهي تنزع قفازها وتجلس قائلة بقلق: شد ما أثر فيك الزكام. - بل انفلونزا خبيثة. - ولا أحد يعنى بك؟ - لا أحد البتة. - ألم تستشر طبيبا؟ - كلا .. وقد شفيت من المرض ولم يبق إلا ظله. - يسرني أن أسمع ذلك، ستشرب مزيدا من العصير.
ومضيا يتناولان الطعام وهي تنظر إليه أكثر الوقت. - فكرت أكثر من مرة أن أزورك. - أحمد الله أنك لم تفعلي.
هزت منكبيها ولكنها لم تناقشه، ثم قالت بابتهاج: أما أنا فلم أضيع دقيقة واحدة.
ستسمعك لحنا جميلا بعد أن أصابك الصمم. - أنت ملاك. - ألا تصدقني! إذن فاعلم بأنك ستبدأ حياة جديدة، أو أننا سنبدأ حياة جديدة، ما رأيك؟
طارد فتوره إكراما لها، وقال: رأيي أنك ملاك، وأنني حيوان كسيح.
لمعت عيناها وهي تقول: رأس المال الذي تحتاجه تحت أمرك. - رأس المال! - نعم، هو ما اقتصدته للمستقبل، وثمن بعض حلي لا أستعملها، ليس ضخما ولكنه يكفي، وقد استشرت زملاء خبيرين، أؤكد لك أننا سنبدأ فوق أرض ثابتة.
Página desconocida