دخلت الامتحان، وما كان أشده وأقساه على فتاة في سن 13 عاما لم تر نظام المدارس، ولم تحسن إمساك القلم؛ فكان القلم يلعب بي بدلا من أن ألعب أنا به؛ فكم لوثت ورقة، وكسرت قلما في ذلك الامتحان، فكانت ورقتي في اللغة العربية كلاما عربيا صحيحا، وخطا لا يختلف كثيرا عن خطوط الأطفال، وقد تعجب المعلمون من رداءة الخط وجودة الإنشاء؛ إنشاء لا تستطيعه طالبة في المدارس الثانوية، وخط لا تكتبه تلميذة في السنة الأولى الابتدائية.
دخلت امتحان الحساب، وكان واضعه الشيخ أحمد التوني، وكان يشمل ثلاث مسائل عقلية لا تحتاج إلى العمل، ومسألة واحدة عملية فيها عملية ضرب طويلة.
أراد الأستاذ بذلك أن يعجز تلك الطالبة المستجدة بهذه المسائل العقلية، ثم أعطاها مسألة واحدة هي التي ظن أنها تستطيع حلها، وكان الأمر على عكس ما ظنه الأستاذ، فقد كنت قوية في حل المسائل العقلية، وكنت مع ذلك ضعيفة في العمليات، لم أحفظ جدول الضرب بعد، ولما كانت المسائل العقلية لا تحتاج إلا إلى عمل بسيط لا يتجاوز الرقم الواحد؛ فقد ابتدأت بالثلاث مسائل العقلية فحللتها، ثم أخذت بعد ذلك أغالب عملية الضرب لأتغلب عليها فتفوز علي وتقهرني.
وجاء الأستاذ، وكنت وحدي في الغرفة لأنه لم يتقدم إلى امتحان السنة الثالثة سواي، جاء الأستاذ وألقى نظرة على الورقة فدهش إذ كان حلي للمسائل الثلاث صحيحا، فقال باسما: «لقد كان الامتحان سهلا؟» قلت : نعم، ولكني أطلب المساعدة في عملية الضرب هذه. فدهش الأستاذ وقال: «الخبر إيه؟ هل أنت من الفلاسفة؟» قلت: كلا، ولكنني لم أحفظ جدول الضرب. فضحك الأستاذ، وقال: «يكفيك حل ثلاث مسائل.»
أما امتحان اللغة الإنجليزية، فقد كان إملاء سهلا جدا، ومع ذلك فقد أخطأت في نصف كلماته، وخشيت أن لا أقبل بالمدرسة فاتصلت بالمعلمين، ورجوتهم أن يقبلوني مؤكدة لهم أني سأدفع المصروفات؛ لاعتقادي أني سأنجح في النهاية، فإن فشلت فأنا التي سأخسر لا المدرسة، وضحك المعلمون من التماسي هذا، وصمموا على قبولي بالرغم من ضعفي في اللغة الإنجليزية ورداءة خطي.
سررت سرورا عظيما عندما علمت بقبولي في المدرسة السنية، وكنت أحتفظ بالقسط الأول من المصروفات في جيبي فدفعتها، وهي 250 قرشا؛ لأن التلميذة الخارجية كانت تدفع 750 قرشا سنويا، وتتناول الغداء بالمدرسة، والداخلية 15 جنيها.
ولعل القارئ يسأل من أين جئت بالنقود، والواقع أني بعت سوارا من الذهب بخمسة جنيهات؛ إذ أصبحت في ذلك الوقت أحتقر الحلي.
ذهبت إلى المنزل، وأنا أكاد أطير من الفرح، فأخبرت والدتي بالتحاقي بالمدرسة السنية، قالت: إذا فعلت فلا علاقة لي بك. قلت: لقد فعلت، ولا شك في ذلك، وأنا ذاهبة لا محالة، فإن تشبثت بالرفض وعدم القبول؛ فسأدخل المدرسة الداخلية، وفي معاشي ما يقوم بذلك. قالت: أحق ما تقولين؟ قلت: نعم، حق لا ريب فيه، وسأذهب إليها يوم السبت. قالت: إذن، فلا تدخليها داخلية، وكوني خارجية. قلت: حسنا. وفي يوم الجمعة زارني شقيقي فقال لي: تأكدي إن دخلت السنية فلن أعرفك. فابتسمت قائلة: لقد نقص إذن من أقربائي واحد، ولا ضير في ذلك. فغضب أخي وانصرف، وفي يوم السبت ذهبت إلى السنية فكان خجل وكان حياء، وكان اضطراب لحالة لم آلفها؛ فقد كنت قبل ذلك في المنزل، فلم أر من الرجال إلا أخي، أما اليوم فقد رأيت كثيرا من المعلمين والخدم؛ ولهذا كنت أنتقد أية حركة تبدو من أي معلم، بل وأية كلمة تنبو عن موضعها، وكنت أقيس حركاتي وسكناتي بالمللي؛ حتى لا تخرج عن معنى الأدب والكمال الذي تعودته في منزلي تحت إشراف والدتي وملاحظات أخي الكثيرة القاسية.
الشيخ حمزة فتح الله وكيف أثار الطالبات
علي؟
Página desconocida