ومنهم بلاش بن خسرو. وكان إتصل به أن الروم قد همت بغزو بلاد فارس، فكتب إلى من كان يجاوره من ملوك الطوائف وأستنجدهم، فبعث كل ملك اليه بقدر طاقته من الرجال والمال. فلما قوي ظهر بلاش بهم ولى عليهم صاحب الخضر، وكان أحد ملوك الطوائف المجاورين لأعمال الروم، فلقي عسكر الروم مجتمعين متأهبين فقتل ملكهم وإستباح عسكرهم وإنصرف بالغنائم في العراق، فوفروا منها الخمس إلى بلاش، فصارت هذه الغزاة سببا لإخراج الروم أموالهم للنفقة على بناء مدينة حصينة، ونقل دار الملك من الرومية اليها لتقرب دار المملكة من بلاد سلطان الفرس، فأوقعوا إختيارهم على رقعة ارض قسطنطنية، فبنوا فيها الأبنية ونقلوا الملك إليها، وكان ملكهم عند بنائها قسطنطنين بن نيرون، فإشتقوا لها إسما من إسمه.
وكان أول ملك الروم من أنتقل إلى إعتقاد النصرانية، ودعا اليها أهل مملكته ثم قصد لإجلاء بني إسرائيل عن أورشليم بيت المقدس، فلم يقم لهم بعد ذلك قائمة إلى الآن من هذا اليوم.
اردشير بن بابك:
لما ظهر أردشير تغلب أول كل شي ء على مدينة إصطخر وتقوى بأهلها، فتغلب بهم على جماعة من كور فارس من ملوك الطوائف.
فلما إستولى على كور فارس عقد التاج على رأسه ونظر في أمور الناس فرأى عدد من حوله من المللوك كثيرا، وحوزة كل ملك منهم قليلة الخطر ضيقة الرقعة، ومؤناتهم على رعيتهم عظيمة. فأنكر الخلاف العارض في ممالكهم مع إتفاقهم في أصل دينهم، وعلم أنه لم يجمعهم على الدين إلا الفة سبقت لهم، فأستخبر من بحضرته من العلماء بأمور الدين وأحوال الملك عن سبب ما ألفى عليه ملوك زمنه، فعرفوه أن أوائل ملوكهم ما زال أمرهم في ممالكهم منتظما لا يتجاوز الملك واحدا وذلك الواحد يجتمع الرعية على طاعته وينتهون إلى أمره. وكان لذلك دينهم عزيزا وجنابهم خصيبا وعدوهم مقموعا إلى أن أفضى الملك إلى دارا بن دارا، فوافق من رعيته نفارا عنه، وأيضا إستثقالا لولايته وإستبعادا لمدته، وإنقباضا عن مجاهدة عدوه وعدوهم، وعدولا منهم عن الأشتغال بثغورهم إلى التشاجر والتحارب فيما بينهم.
Página 36