يرد الحمام إليكم فهل عندكم به أوراق؟ فقلت: نعم، فقال: روح إلى زيارته وأعطه الورق يقرأه، فقرأه فقلت كما قال، فأثر أثرا عظيما، وفي الحال رد الحمام، وبالغ في الإكرام، وقعد في الحال، وقال هذا المرسوم بخط والدي، ولن أخالفه، وادخل إلى عيادة ولدي، فذهبت فدعوت وبكيت، وقد حصل ببركة الشيخ أحمد ما طلبت ورجوت، ثم قبل موت القاضي الذي كان قبلي بيسير، شرع يبعث ويقول بحضرة الكبير والصغير: أنت القاضي عن قريب، فأبدي له كراهة هذا القول العجيب، فيقول وأنا أبشرك، الفقراء قالوا ذلك، فأقول بيني وبينه: هذا الأمر يبلغ القاضي، ويشق عليه، ثم جاء في بعض الأيام، وقال: القاضي مرض، فقم إلى زيارته، ثم عد إلى الجامع، فأذا صليت العصر فاذهب إليه، فإن كان باقيا فزره، وإن كان مات، فصلي عليه، وأنت القاضي بعده، ثم مضى لسبيله، فكان الأمر كما ذكر، ومضيت مع أخي القاضي أسعى، فتوليت فيا ليتني مت قبل ذلك يا ليت.
ومن أعجب ما اتفق لي معه، أن شخصا ذهب يسعى في القضاء عوضي بذهب كثير جمعه، وشاع أن شغله القضاء، ورأيت كلا من أصحابي قد ذهب ومضى إلا أحمد، فإنه ملازم لا يأكل ولا يشرب، وليس بصائم، فلما كان بعض الليالي طرق الباب بإزعاج، وقال: مات العفيف، وراح المال، فكان الأمر كما أخبر، وغرق ذلك الرجل في البحر، ولم يزل تظهر له أحوال لا يمكن التعبير عنها، وأقوال يتعجب منها، ورأيت بمنامي كأنه في مرجة مونقة بالأشجار محدقة وهو يتبختر في مشيه وعن يمينه وعن شماله سباع يسعون بسعيه، ورأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمنام، فتقدمت للسلام عليه، وإذا بالشيخ أحمد قد سبقني إليه وسلم عليه وعانقه، وكأنني أنظر إليه يطبطب عليه، ويقبل عنقه، وفي الجملة فأحواله ظاهرة، وأرجو كما انتفعت به في الدنيا أن أنتفع به في الآخرة.
Página 182