يتهجد في بعض الليالي بمائتي ركعة، وكان يسرد الصوم، وربما يطوي اليومين والثلاثة يفطر فيها على الماء فقط، وكان يطعم الطعام من عرف، ومن لا يعرف، ويطبخ للفقراء الطعامات المفتخرة، وكان يحمل الفاكهة إلى بيوت الفقراء عند اختصاص المترفهين بها، وعمر آبارا، وسبلها، واستنسخ كتبا وأوقفها، وتنوع في الصدقات، وفعل الخيرات، حج في بعض السنين، ومعه جماعة من إخوانه، فأنفق ما كان معه، وكان ذلك جملة، ثم اقترض على ذمته جملة كثيرة وأنفقها، وحج مرة ومعه قماش يتجر فيه، فتصدق ثم أنفق باقيه، وفي الجملة فقد أجمع على خيره أهل عصره، زارني وزرته، وشاهدت كثيرا مما ذكرته، وتوفي شهيدا بالطاعون سنة خمس وستين وسبعمائة، مات ليلة الجمعة بعد فراغه من قراءة سورة الكهف، وابتدائه بأوائل سورة الدخان.
ومنهم صاحب المفاخر الشيخ علي التاجر، أحد أصحابي وأعز تلاميذي وأحبابي، الولي الزكي، الخائف التقي، العارف البهي، العالم العامل، الحسام المشهور، المعروف بابن قاضي صور، صحبني دهرا فنلت به خيرا على قدم السلف، وأرجو أن يكون نعم الخلف.
ومنهم المحب الصادق صاحب الإشارات والدقائق، قطع العلائق، وسلك أحسن الطرائق، فهو حبيب الفقراء، وطبيبهم الشيخ علي القديسي، أحد السادات الأعلام، صاحب إشارة وكلام، وكشف ظاهر، وحال باهر، صحب الأكابر، وأجمع على فضله الأوائل، والأواخر أخونا في الله وحبيبنا في الله، رأيت له أمورا خارقة، وأحوالا صادقة.
ومنهم الكبير المعمر، والطيف المنور، ذو الوجه الأزهر، والقلب الأطهر الشيخ غزي الطائف، صاحب الأحوال واللطائف، صحب الأكابر وصحبوه، وعرفهم وعرفوه، وكان له حال غريب، وسر عجيب، ثم ابتلي آخر عمره وتمام أمره بمرض أقعده، وعن الخلق أبعده، وإلى الدرجات العاليات أصعده.
Página 180