الثوراني، كان من السادات الأكابر الصالحين الأماثل، عالما عابدا زاهدا، ورعا مجتهدا، صواما قواما، لطيفا مهابا، ربي على العبادة، فاق على الاجتهاد، بلغني أنه كان يصلي بين الظهر والعصر مائة ركعة، وكان يحيي الليل بالعبادة من الصلاة والاشتغال بالعلم الشريف، والذكر والتلاوة، ومات شهيدا سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
ومنهم أخوه الشيخ سليمان صاحب المحبة والعرفان، كان كبير القدر، جميل الذكر، ملازم الجامع الكبير، لإقراء القرآن على الدوام، وله أحوال سنية، وأعمال رضية، واتفق له حكاية هي أعظم كرامة، وذلك أني توجهت يوما إلى الجامع الظاهري، فوجدته في الصحن البراني جالسا في الشمس، وعنده جماعة من أصحابنا الفقهاء والفقراء، فجلست معهم فتحادثنا وتآنسنا وإذا بالطواشي محسن بواب التربة السيفية أرقطاي قد جاء، وجلس إلينا فقال الشيخ سليمان: يا طواشي نحن في ضيافتك فإنا على باب مدرستك، فقال: ما لي بك حاجة، فحصل للشيخ سليمان حال وبكى، وقال: نحن في ضيافة رب العالمين الذي قال «يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم» اللهم فو الله، والله، والله، إنه لفي دعائه وإذا بطائر عظيم يحمل رغيفا سخنا، فوقف على رؤوسنا، ثم ألقاه بحجره، فتصارخنا وتباكينا وكانت ساعة ما أعظمها من ساعة، ثم أشار الجماعة بأن التصريف بأمر الرغيف يكون على ما أراه ثم وضعه في حجري، وإذا بالشيخ سعيد المغربي أحد السادات المعروفين بالخيرات، السائرين في الفلوات قد جاء، ولم يكن علم بما اتفق، وقال: أعطوني الرغيف فقلنا:
أي الرغيف؟ فقال الذي نزل إليكم، فقلنا: من أين علمت؟ فقال: أنا جائع وما أنا عنكم براجع، فصالحناه على نصفه، وقسمت الباقي بين الجماعة، ونصيبي عندي إلى الآن في خرقة من قميص والدي، وجبة الشيخ فرج.
Página 177