Historia de Napoleón Bonaparte: 1769–1821
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Géneros
في السادس من شهر آذار هوجمت يافا واستسلمت للنهب والمذبحة، فأرسل بونابرت معاونيه بوهارنه وكروازيه ليسكنا غضب الجند، ولقد أتيح لهما أن يصلا في الوقت المعين فأنقذا حياة أربعة آلاف من الأرناءوط أو الألبان الذين قيض لهم أن يفلتوا من المذبحة ويلجئوا إلى فنادق وسيعة.
عندما أبصر نابوليون هؤلاء الأسراء الذين جيء بهم إليه صرخ بشفقة: «ماذا تريدون أن أعمل بهم؟ ألدي مؤنة لأقوتهم، ومراكب لأقلهم إلى فرنسا أو إلى مصر؟» إلا أن معاونيه ذكراه بالإنسانية التي أوصاهما بها في معاملة الأعداء، فأجابهما بحدة: «أجل، بدون شك، ولكني أوصيتكما بها في معاملة النساء والأولاد والشيوخ وليس في معاملة الجنود المسلحين، كان أحرى بكم أن تموتوا جميعا من أن تجيئوني بهؤلاء المساكين، ماذا تريدون أن أعمل بهم؟» بقي نابوليون ثلاثة أيام يشاور نفسه في مصير هؤلاء المساكين، إلا أن تذمر الجيش لم يترك له سبيلا لأن يتردد أكثر من ذلك في أمر كان يوحي إليه كراهة شديدة، فأصدر أمره بإعدام الأرناءوط والألبان في العاشر من شهر آذار.
أما الاستيلاء على حيفا فقد أعلن على مصر بما يلي: «باسم الله الرحمن الرحيم، سيد العالم القدوس، الحاكم بملكه كما يشاء، المتصرف بالنصر تصرفا مطلقا، هذا نبأ الإنعامات التي منحها الله العلي للجمهورية الفرنسية، ثم إننا استولينا على حيفا في سوريا.
كان الجزار عزم على دخول مصر، مأوى البائسين، مع شرذمة من أشقياء العرب، إلا أن أحكام الله تهدم حيل الرجال، كان يرغب في هرق الدم حسب عادته الوحشية، وبسبب كبريائه والمبادئ الرديئة التي أخذها عن المماليك، ولم يعلم أن كل شيء إنما هو آت من الله.
في السادس والعشرين من رمضان أحاط الجيش الفرنسي يافا، وفي السابع والعشرين منه أشار القائد العام بأن تركز فيها المدافع، وتصوب الفوهات إلى جهة البحر لمنع الخروج منه.
وفي نهار الخميس، آخر أيام رمضان، أشفق القائد العام على سكان يافا، فنبه الحاكم، إلا أن التنبيه بقي من غير جواب بالرغم من شرائع الحرب ومحمد، عند هذا انطلق غضب بونابرت، فأمر بإطلاق القنابل، وما هي إلا بعض ساعة حتى هجم الجند من الصور المهدوم واستولوا على المدينة وحصونها، وبدئ القتال بين الجيشين، فانتصر الفرنسيون، ودام النهب طوال الليل. ونهار الجمعة أشفق القائد على المصريين الذين في يافا، من فقراء وأغنياء، ومنحهم السماح وأعادهم إلى بلادهم بشرف، ولقد نهج النهج نفسه مع الدمشقيين والحلبيين.
قتل في المعركة أكثر من أربعة آلاف رجل من رجال الجزار رميا بالرصاص وبالسلاح الأبيض، ولم يخسر الفرنسيون إلا قليلا من الجند. يا عباد الله، اخضعوا لأحكامه، لا تخالفوا مشيئته، واحفظوا وصاياه، واعلموا أن العالم إنما هو ملكه، وأنه يعطي هذا الملك لمن يشاء.»
كان الجيش الفرنسي قد صحب جراثيم الطاعون إلى سوريا فانتشرت في حصار يافا وصارت تشتد يوما بعد يوم، قال بونابرت عن القائد غريزيو الذي أبى أن يلمس أحدا خشية انتقال العدوى إليه: «إنه إذا خشي الطاعون مات فيه.» هذه النبوءة تمت في حصار عكا.
في السادس عشر من آذار وصل بونابرت أمام عكا، فلاقى هناك مقاومة أشد مما كان يتوقع، قيض للجيش الفرنسي، في ذلك الحصار، أن يربح موقعة جبل ثابور المشهورة، حيث أتيح لكليبر أن يقاوم بثلاثة آلاف عسكري جيشا مؤلفا من أربعة وعشرين ألف رجل بين فرسان ومشاة، عندما علم بونابرت بقوة العدو أسرع إلى مساعدة كليبر مع فيلق من الجند، فلما وصل إلى ساحة القتال قسم فيلقه إلى قسمين مربعين ونظمهما بشكل أن جعلهما، مع مربع كليبر، زاوية مثلثة متساوية، وإذا بالعدو في وسط تلك الزاوية. أما النار الهائلة التي انطلقت من أطراف تلك الزاوية فقد أهلكت المماليك وتركت الساحة ملأى بالجثث. كان الفرنسيون الذين أهلكوا ذلك الجيش، الذي قال عنه الأهالي إنه يربو على عدد نجوم السماء ورمال البحر، لا يجاوزون ستة آلاف.
وبعد حصار دام شهرين، عزم بونابرت أن يعود إلى مصر وقد اتضح له أن جيشه الصغير يضعف من يوم إلى يوم بانتشار الطاعون والمواقع العديدة، في تلك الساعة، تضاءلت تلك النوايا العظيمة التي رسمتها مخيلته الطماعة للزحف طورا إلى الهند وتارة إلى البوسفور؛ ما جعله يقول فيما بعد: «لو سقطت عكا لقلب سقوطها وجه العالم، لقد كان مستقبل الشرق مرتكزا على تلك المحلة الصغيرة.»
Página desconocida