إذا وصل مركب إلى عدن وأبصره الناظرون والناطور على جبل نادى بأعلى صوته: هيريا وهو آخر جبل الأخضر الذي بني عليه الحصن الأخضر ويسمى في الأصل سرسيه. وما يقدر الناطور ينظر إلا عند طلوع الشمس وغروبها لأن في ذلك الوقت يقع شعاع الشمس على وجه البحر يبان عن بعد مسافة ما كان، ويكون الناطور قد عرض عودا قدامه فإذا تخايل له شيء في البحر قاس ذلك الشيء على العود فأن كان طيرا أو غيره زال يمينا أو شمالا أو يرتفع أو يرتفع فيعلم إنّه لا شيء، وإنّ كان الخيال مستقيما على فيء العود ثبت عنده إنّه مركب أشار إلى صاحبه وهو ينادي: ياهيريا وأشار صاحبه إلى رفيقه وأشار الرفيق جراب بأعلام المركب فحينئذ يوصل الجراب خبر المراكب إلى وإلى البلد. فإذا خرج من عند الوالي اعلم المشايخ بالفرضة وبعدهم ينادي بأعلى صوته من على ذروة الجبل: هيريا هيريا هيريا! فإذا سمع عوام الخلق الصوت ركب كل جبل وصعد سطحا يشرف يمينا وشمالا فان كان ما ذكره صحيحا يعطي له من كل مركب دينار ملكي وذلك من الفرضة وإن كان كاذبا يضرب عشرة عصى. فإذا قرب المركب ركب المبشرون الصناييق للقاء المركب فإذا قربوا من المركب صعدوا وسلموا إلى الناخوذة ويسألونه من أين وصل ويسألهم الناخوذة عن البلد ومن الوالي وسعر البضائع. وكل من يكون له في البلد أهل أو معاريف من أهل المراكب إما أن يهنونه أو يعزونه له وعليه. ويقدم شيء نحو نفوة ويكتب اسم الناخوذة وأسماء التجار ويكون الكراني قد كتب جميع ما في بطن المركب من متاع وقماش فيسلم إليهم الرقعة. وينزل الميشرون في الصناديق راجعين إلى البلد كلهم رأسا واحدا إلى الوالي ويعطونه رقعة الكراني مع ما كتبوه من أسماء التجار ويحدثونه بحديث المركب ومن أين وصل وما فيه من البضائع ويخرجوا من عنده يدورون في البلد ويبشرون أهل من وصل بجمع الشمل ويأخذ كل بشارته. فإذا وصل المركب المرسى وأرسى تقدم إليهم نائب السلطان ويصعد المفتش رجلا بعد رجل ويصل التفتيش إلى العمامة والشعر والكمين وحزة السراويل وتحت الأباط ويضرب بيده على حجرة الإنسان ويدخل يده بين اليتيه ويشتمه على قدر المجهود. وكذلك عجوز تفتيش النساء تقرب بيدها في أعجازهم وفروجهن. فإذا نزلت التجار إلى البلد نزلوا بدبشهم من الغد، وبعد ثلثة أيام تنزل الأقمشة والبضائع إلى الفرضة تحل شدة شدةً وتعد ثوبًا ثوبًا. وإن كان من بضائع البهار يوزن بالقبان ويضرب في جميع ما اشكل عليهم الشيخ لئلا يبقى شيء وقد عاهدوا الله ﷿ وأن يبذلوا المجهود قدام المشايخ. قال أبن المجاور: وحينئذ يظهر على التاجر الحراف ويقتله الحزن ويبقى في وادي الدبور بما يعملون معه من الفعل الذي يطير منه البركة والسعادة.
ذكر العشور
1 / 54