هما قريبان من أعمال الجثة تسمى إحداهما المغلف والثانية الأسيخلة. فبينما القوم فيما هم عليه من أحوالهم الرجال تحرث والنساء تغزل والحمير تتناهق والكلاب تتنابح إذا ارتفعوا من الأرض إلى الجو رجالهم ونساؤهم وغابوا عن أعين الخلق إلى يوم القيامة ولم يدر أحد ما أصابهم وما فعل الله بهم ولا ما كان بينهم، سنة أربع وستين وخمسمائة. فبقوا مثلا إلى يوم الدين فيقال: طار بك برق المغلف والأسيخلة. والأنسجة بقرية العمالق من أعمال الأشعوب يماني صنعاء وأصبح الصباح ولم يوجد عن القرية وأهلها ودوابهم من يخبر، سنة خمس وستين وأربعمائة، (فاعتبروا يا أولي الأبصار) . وإلى المهجم ستة فراسخ. ولهذا يكون بساقات عشيرة اليمن برص: لكثرة أكلهم اللبن والسمك تغلب عليهم الرطوبات فيظهر عليهم ذلك، والأصح انهم قليلون الكلف في أصناف الأمور لتخليتهم الخبز والأدم مكشوف والبلاد حارة كثيرة الأوزاغ، فإذا خلى رأس الإناء أو الطعام المكشوف يأكل الوزغ منه فيبقي أثر لعاب فيه فمن أكله ظهر به برص. ويقال إنّه طير شبه النامس اصفر اللون ويسمى البرة إذا قرص إنسان على الريق ظهرت فيه هذه العاهة والآفة، ويقال يظهر فيه داء الفيل والله اعلم.
من زبيد إلى عدن
على طريق الساحل. من زبيد إلى المزيحفة فرسخ. وما سميت المزيحفة مزيحفة إلا إنّه كان في قربها حلة عرب نزال ببيوت الشعر فانتقلوا من الحلة إلى هذا المكان فكان يعرف بالمزيحفة كما يقال: زحف فلان إلى فلان أي انتقل. وبنى بها موسى بن الجبلي مسجدا من الآجر والجص وليس في الجوالي ثغر أطيب منه ولا في وادي زبيد، وشجرها الأهليلج. وإلى السحارى ثلاث فراسخ وبعرس عوند والشكالين والرمة والعريقين وهم ثلاث روابي ذات شجر وأراك. والسحاري على ساحل البحر ذات نخل شامخات.
ذكر بيع النخل
غرس أبو القسم ويعقوب ولدي قونفر هذا النخل ونشأ النخل وصار له صيت. فسمع بخبره أتابك سنقر فقال للعمال: حيفوا عليهم العدد واظلموهم في خراجه. فلما فعل العمال بهم ذلك استغاثوا مما جرى عليهم من العمال. فقال لهم اتابك سنقر: بيعوني وأريحوا أنفسكم من ظلمة! فقالوا له: اشتر منا على وجه الجرد. فقال لهم: أبعتموني كل نخلة منه بدرهم؟ فقالوا قد بعناك. فقال لمن حضر: أشهدوا على إني اشتريت منهم. وأمر بعد النخل فصح عده الفي عود، فأعطاهم خمسمائة دينار. والنخل قطعتين تسمى إحداها الفازة والثانية القبة. فلما قبضه الأمير ندما على ما صنعا استقالوا منه فأبى أن يقيلهم، فلما رأى أحدهم عين الغين حمل على الأمير فطعنه على قلبه فمات. وبقي النخل سلطاني إلى الآن ولن تحل نخلة إلا من بعده، وليس في جميع هذه الأعمال أحسن من هذا النخل ولا أصح من غرسه ونشوة. ويقال إنما ظلم سيف الدين سنقر إلا أصحاب المملاح بعدن وأصحاب هذا النخل من دون الخلق. وإلى الخوهة نصف فرسخ. وبها مسجد مربع بناه الحسين بن سلامة وفي صحن المسجد صخرة وطئة تافة معاذ بن جبل ﵁. وفي المسجد سر عظيم: إذا كان في القرية خوف رموا أهل القرية ما كان معهم من المتاع والأثاث في المسجد وتنجوا بأرواحهم فإذا دخل أهل الشر إلى المسجد لم يؤخذ من المتاع شيء ويعمي الله تعالى أبصارهم، ويقال إنّ المسجد يغيب عن أعين الناس. فإذا نام به رجل لم يكن طاهر السبب برى روحه يرمي به عند البئر ظاهر المسجد. ويؤخذ منها مكس عن كل حمل السدس مع جبا صنابيق الصيادين كل شهر سبعين دينارًا. وإلى موشح فرسخ، قرية ذات نخل شامخات. وإلى الحيلة فرسخين بين رمال وحصى وأشجار، وبها يعمل القلا وهو الحطم ومنه يجلب إلى سائر أقاليم اليمن. ويكون فيها الصبايا الملاح والنساء الصباح وفيهن ذات فسق وفيهن ذات صلاح يكتمن العشق المباح، قال:
أمحسن في واحجه ... وفي نواحي أمجدون
وفي الحيلة أكثره ... لكنهم يعجلون
وسألت أهلها عمن بناها فقالوا: لم نعلم بل إن جدونا كانوا قوم بدو دخلوا هذه القرية فوجدوها خالية من السكان فلما استطابوا بها سكنوها فتوطنوها. وإلى موزع ثلاث فراسخ، وهي أرض مهلهل وكليب وبها كانت حرب البسوس.
1 / 35