وظاهر هذه البلد حار وباطنها بارد يابس وجوها مضر بالزعفران لأنه يسوس في أيام قلائل، والأصح أن الزعفران يرجع يابس من ذاته إذا فتح راس الكيس طار اليابس في الجو وهو الزعفران والجسد لا يزال يحول إلى أن يرجع تراب تارب. وماء البلد من الآبار. وأهلها سمر كحل كواسج ضعاف التركيب محلقين الرؤوس. وكذلك جميع المغرب والإسكندرية وأهل مكة والحبشة والبجاة لم يحلق المرء رأسه حتى يقتل إنسانا ونساء الزنجبار والجوار الزنوج وأهل خوارزم وشعشعين وبلغار واللاب وجميع هؤلاء القضاة منهم والصوفية والعامة كبعض الحجاج كما قال الله ﷿ (محلقينَ رءوسكم ومقصرينَ)، والأطفال واليهود وحجاج الهنود وجميع أعمال اليمن من أهل الجبال والتهائم. ونساؤهم خلقات وهن رخوات التكك وفي كلامهم كثر غنج وهذا دليل على إنّ شهوة نسائهم أغلب من شهوة رجالهم، فلذلك يستعملون الطيب لأنه يهيج الباء. وقال مكحول الشامي: عليكم بالطيب فإنه من طاب ريحه زاد عقله ومن نظف ثوبه قل همه. وقال عمر بن الخطاب ﵁: لو كنت تاجرا لمّا اخترت على الطر شيئا إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه. ونساء أهل هذه البلاد لم يأخذوا من أزواجهن المهر وأخذ المهر عندهم عيب عظيم، وكل امرأة تأخذ المهر من زوجها يسمونها مفروكة أي إنّ زوجها أعطاها مهرها وفركها أي طلقها. فإذا رجع الأمر إلى ذلك تقل رغبة الرجال فيها لن الزوج الآتي يقول: أخاف أن تأخذ مني المهر كما أخذت من غيري. وقد لا يكون للرجل طاعة في أداء المهر وتقول النسوة فيما بينهم: إنّ ما قدر زوجها يخرجها من عنده إلا بمهرها لقلة رغبته فيها فيركبها العار. فإذا أراد رجل يتزوج امرأة يجون نساء الحافة بلا مخافة إلى المرأة ويقولون لها: أفركي زوجك قبل أن يفركك أي هبي له المهر وأخرجي قبل أن يزن المهر ويخرج. ويفعلون الطرح في الأفراح والأعراس على ما تقدم ذكره في صفة مكة. فإذا أعطت المرأة في عرس رد إليها في عرس مثله، وإن كان في ختان رد في ختان، وإن كان في الولادة رد في الولادة، ولم ترد الشيء إلا في الوجه الذي كان منه وفيه بعينه. وحدثني أحمد بن مسعود قال: ولم تفسد المرأة في اليمن إلا من جهة الطرح. قالت: ولم ذاك؟ قال: لأنه يكون للنساء عليها سلف ولم يكن معها ما تقضي به الذي عليها فتخرج على وجهها إلى عبر طريق فتهيم فتحتاج فتكتب لهم إلى أن يحصل لها شيء فترد مال الناس الذي عليها. وليس يقبل منها يمين ولا شاهد إلا قول المرأة على المرة مصدق. ويخضب الرجال أيديهم وأرجلهم. وطبيخهم الملوخية ومأكلهم الدخن والذرة ويعمل منه الخفوش والكبان واللحوح والفطير، يأكلوه باللبن والسمك ويسمونه الملتح، والجبن والموز والقند والحليب. وليس لهم حديث سوى الأكل، يقول زيد لعمرو: ما تصبحت اليوم؟ يقوا: فطير دخن وقطيب، أو: ملتح وسليط ويقول مضر لجعفر: ما تعوفت؟ يقول: رغيف خبز بر بفلس وقطعة حلاوة بأربعة فلوس، فصار المبلغ ستة فلوس! ويقول خالد لزيد: إني أكلت اليوم أكلة تكفيني ثلاثة أيام فطير وحليب وقند شرقي وترفت إلى أن شبعت. وفي ذلك أنشد علي بن أبي السنوي يقول:
قلت يوما لرئم ذات إعجاب ... وذات صدر رحيب ذات أكعاب
وذات قدٍ رشيق كالقضيب إذا ... ما ماد من فوق دعص الرمل رياب
وقد أشارت بكف وهي معرضة ... وأقبلت مثل ظبي بين أسراب
تريد مني وصالا قلت يا سكنى ... رفقا عليّ فإن الجوع أزرى بي
جذي الثريد إذا ما جئت مقبلة ... نحوي ولا تأخذي مسكا وأطيابِ
وأستعملي من فطير الدخن مع لبنٍ ... وصابحيني به صبحا على البابِ
فإن قلبي إلى حب الفطير صبا ... وليس قلبي إلى حب النسا صابي
1 / 33