حروف الهجاء الفينيقية بإزاء الإشارات الهيروغليفية التي هي أصل لها.
ومما يؤكد حقه في ذلك أن الفينيقيين أخذوا الكتابة عن المصريين، ولم يكدحوا ذهنهم في نقل مجموع الكتابة الهيروغليفية بطريقة الإجمال، وذلك أن هذه الأمة المؤلفة من تجار لم يكن لها حاجة للتعبير عن الأفكار بطريقة مشوبة بالتعقيد؛ مثل طريقة الكتابة المصرية، فحذفوا جميع الصور الدالة على معان مستقلة بالمفهومية، والحروف الدالة على المقاطع، والحروف الدالة على أصوات كثيرة، والحروف المتشابه صوتها التي بقي المصريون محافظين عليها، ثم اختاروا من الحروف الهجائية اثنين وعشرين حرفا توافق الاثنين وعشرين صوتا الأصلية الموجودة في لسانهم (شكل
17-2 )، ومن هذه الحروف خمسة عشر حرفا لم يعتورها كبير تغيير؛ بحيث إن أقل نظر يكفي لمعرفة أصلها المصري، والبقية منقولة من القلم الهيراطيقي من غير مخالفة لقواعد التشبيه.
وقد نقلوا هذه الحروف الهجائية إلى الأقطار التي كانت تجارتهم تسوقهم إليها، فصارت أصلا اشتقت منه جميع حروف التهجي المعروفة وقتئذ من بلاد الهند والمغول إلى بلاد الغالية (فرنسا القديمة) وإسبانيا، وجاء في أشهر الروايات اليونانية أن قدموس الفينيقي مؤسس طيبة في البيوثيا (بلاد اليونان) هو الذي أدخل حروف الهجاء بهذه البلاد ووصلت إلى أوروبا عن طريق إيطاليا والحروف التي يستعملها الإفرنج الآن في الكتابة هي مشتقة عنها بالطبع.
شكل 17-3:
ناووس أمريت. (4) الفنون الفينيقية
وقد أخذ الفينيقيون عن المصريين أيضا بعضا من فنونهم وصنائعهم، فترى في الآثار الفينيقية القليلة التي نجت من الدمار منظرا مصريا خالصا صافيا. فالناووس الذي عثر عليه الموسيو رنان بالقرب من أمريت، التي هي ماراث القديمة يعتبره الإنسان بالسهولة مصريا محضا لو كان اكتشافه على شواطئ النيل (انظر شكل
17-3 )، بل إن معاصر الزيوت ذات الأجهزة الضخمة (انظر شكل
17-4 ) تشبه الآثار المصرية مشابهة لا مراء فيها بالنظر إلى جسامتها، وإلى ترصيف الأحجار فيها، وكذلك أواني الفضة والشبهان (البرونز) التي كان القوم يصنعونها في صور وصيدون (صيدا) تراها مزخرفة بأشكال مصرية، وممثلة لموضوعات مصرية (انظر شكل
17-5 )، وكذلك الجواهر، والأساور، والخناجر، ودروع الخواصر، والخواتم، والأقراط (شكل
Página desconocida