4
الكبير المعروف بأبي الهول الكائن بجوار أهرام الجيزة، وهو من أغرب الآثار وأعجب الأعمال في العالم بأسره، قد كان تشييده في عهد أولئك الملوك إن لم نقل في أيام الذين سلفوهم، وهذا الاسفنكس الكبير هو رمز تمثيلي للإله «الشمس»، وبعبارة أقرب وأولى هو تمثال لوحش هائل مرعب له جسم أسد ورأس إنسان، يزعمون أنه كان موجودا في الصحراء وقد أرصدوه للإله الشمس، على سبيل الوقف والنذر، وهو منحوت من جلمود أتوا به من أقصى أطراف هضبة لوبيا، وأقاموه بحيث يظهر كأنه يرفع رأسه فوق الوادي كله ليكون أول من يمتع ناظره بالقرص المضيء والسراج المنير. وقد انهالت عليه الرمال وانتهك جسمه فلم يبق فيه من الأسد إلا هيئته العامة وشكله الإجمالي، ثم جاءه قوم متعصبون للديانة فحطموا أسفل عمارته
5
ولحيته وأنفه، هذا وإن الطبقة الحمراء التي كانت تخيل الحياة على تقاطيعه قد كادت تكون لا أثر لها، على أن مجموع هذا التمثال يتجلى مع ما أصابه من صروف الزمان ومحن الأيام في جلباب الرفعة، ويتراءى بمظهر القوة والسلطان. لا جرم أن الصانع الذي تصور في مخيلته تصوير هذا التمثال على هذا المنوال، وأفرغه في قالب الكمال وهو يصطنعه فيما بين الجبال؛ لجدير بالمدح والإجلال، فإن عمله هذا يدل على تقدم فائق وحذق غريب.
وقد نشأ التمدن المصري على يد الأجيال المجهولة لنا، التي تعاقبت تحت أقدام هذا التمثال الهائل، وسعت في إنماء حضارتها وترقيتها محصورة في بلادها لا تتخطاها. ولا بد أن آثار هؤلاء الأقوام موجودة باقية، ولا شك أن الأيام ستكشف لنا مخباها وتوقفنا على مكنوناتها.
وأما الآن فنقول إن حقيقة التاريخ لا تبتدئ أمامنا إلا من العائلة الثالثة؛ فإن الملك سنفرو آخر ملوكها هو أول فرعون وقفنا له على أثر صحيح ونبأ صادق، فقد عثرنا على نقوش بارزة على صخرة في أحد وديان الطور يذكر فيها فوزه وانتصاره على المتبربرين المستوطنين ببادية العرب (شكل
2-1 ).
شكل 2-1:
سنفرو منتصرا على أعدائه (كما في نقش بارز على أحد جبال الطور).
خلاصة ما تقدم (1)
Página desconocida