وسلم يقول : ( لا تردوا السائل ولو كان كافرا ) فقال رجل من الصحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله وهل لنا أن نتصدق بشيء من أموالنا إلى الكفار ؟ فقال : نعم إنهم خلق من خلق الله تعالى ، وإن الصدقة لتقع في يد الرحمن كذا في رياض الصالحين . ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : الصدقة تمنع ميتة السوء ) بكسر الميم للهيئة ، ثم بفتح السين رواه القضاعي عن أبي هريرة ، وهو حديث ضعيف ، والمراد بالسوء ما لا تحمد عاقبته من الحالات الرديئة كالحرق والغرق . ( وقال صلى الله عليه وسلم : صدقة السر تطفىء غضب الرب ) أي تمنع عقابه عمن استحقه ( وصدقة العلانية جنة ) بضم الجيم أي سترة ( من النار ) كما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من عبد أعطى السائل شيئا ، ولو لقمة طعام إلادفع الله عنه بها نقمة ) ( وقال صلى الله عليه وسلم : الصدقة تسد سبعين بابا من السوء ) بالمهملة ، وفي رواية من الشر بالمعجمة والراء رواه الطبراني عن رافع بن خديج بإسناد ضعيف ، وفي رواية للخطيب عن أنس بإسناد ضعيف الصدقة تمنع سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص هذا مما علمه الله تعالى لنبيه من الطب الروحاني الذي يعجز عن إدراكه الخلق ( وقال صلى الله عليه وسلم : اتقوا النار ) أي اجعلوا بينكم وبين نار جهنم وقاية من الصدقات ، وأعمال البر . ( ولو ) كان الاتقاء المذكور ( بشق تمرة ) بكسر الشين المعجمة ، أي جانبها أو نصفها ، فإنه قد يسد الرمق سيما للطفل فلا يحتقر المصدق ذلك ( فإن لم تجدوا ) ما تتصدقون به لفقده حسا أو شرعا ، كأن احتجتموه لمن تلزمكم نفقته ( فبكلمة طيبة ) أي تطيب قلب الإنسان بأن يتلطف به بالقول أو بالفعل ، فإنه سبب للنجاة من النار رواه أحمد والبخاري ومسلم عن عدي بن حاتم وقال العزيزي نقلا عن السيوطي : الذكر أفضل من الصدقة ، وهو أيضا يدفع البلاء ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تصدقوا على أنفسكم وعلى أمواتكم ولو بشربة ماء فإن لم تقدروا على ذلك فبآية من كتاب الله تعالى ، فإن لم تعلموا شيئا من القرآن فادعوا لهم بالمغفرة والرحمة ، فإن الله وعدكم الإجابة كذا في رياض الصالحين ) ( وقال صلى الله عليه وسلم : لا تستحيوا من إعطاء القليل فإن الحرمان ) أي عدم الإعطاء بالكلية ( أقل منه ) أي إعطاء القليل ( وقال صلى الله عليه وسلم : من نهر سائلا ) أحوجته العيلة إلى السؤال ، أي من زجره وأغلظ عليه القول ( نهرته الملائكة يوم القيامة ) فينبغي أن يرده ردا جميلا قال إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة ، وقال إبراهيم النخعي : السائل بريدنا ، أي رسولنا إلى الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل تبعثون إلى أهليكم بشيء ؟ وقيل : المراد بالسائل الذي يسأل عن الدين . وروي عن الزمخشري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رددت السائل ثلاثا ، فلم يرجع فلا عليك أن تزبره أي تزجره وقيل : أما إنه ليس السائل المستجدي ، ولكن طالب العلم إذا جاءك فلا تنهره . ( وقال صلى الله عليه وسلم : مهر الحور العين قبضة التمر وفلق الخبز ) أي شق منه ( وقال صلى الله عليه وسلم : ما نقص مال من صدقة ) أي بل يزيده في الدنيا بالبركة ، ودفع المفسدات عنه وفي الآخرة بإجزاء الأجر ، وفي رواية لأحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ما نقصت صدقة من مال ، فمن زائدة ، أي ما نقصت صدقة مالا أو صلة لنقصت ، أي ما نقصت شيئا من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله . ( وقال صلى الله عليه وسلم : الصدقة شيء عظيم قالها ) أي تلك الكلمة ( ثلاثا ) أي ثلاث مرات في تلك اللحظة ، وفي رواية للطبراني وأبي نعيم عن أنس بأسانيد ثقات تصدقوا ، فإن الصدقة فكاككم من النار ، أي خلاصكم من نار جهنم ، والصدقة أفضل من حج التطوع عند أبي حنيفة كذا نقله المناوي عن العبادي ( وقال صلى الله عليه وسلم : الصدقة ترد البلاء وتطول العمر ) أي تبارك فيه فيصرف في الطاعات ، وفي رواية لأبي نعيم عن علي بإسناد ضعيف الصدقة على وجهها ، واصطناع المعروف وبر الوالدين وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة ، وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء . | وحكي أن رجلا كان له شجرة عظيمة عند بيته ، فيها أفراخ الورشانة فقالت له زوجته : اصعد إلى تلك الشجرة ، ونزل الأفراخ لنطعم بها الأولاد ، ففعل ذلك فشكت الورشانة إلى سيدنا سليمان عليه السلام ، وقصت عليه القصة فدعا سليمان عليه السلام بالرجل ، وأوعده بالتوبة فقال الرجل : ما أعود إلى فعل ذلك أبدا . فقالت المرأة لزوجها مثل مقالتها الأولى فقال الرجل : لا أفعل ذلك ، فإن سيدنا سليمان نهاني عن ذلك . فقالت له : أتظن أن سليمان يتفرغ لك أو للورشانة وهو مشغول بملكه ، ولم تزل كذلك به حتى صعد وأنزل الأفراخ ، فعادت الورشانة إلى سيدنا سليمان وأعلمته بذلك ، فغضب ودعا بشيطانين أحدهما من المشرق والآخر من المغرب وقال لهما : الزما الشجرة فإذا عاد الرجل إلى الأفراخ ، فخذا برجليه وألقياه من الشجرة ، فذهبا يلزمان تلك الشجرة ، فلما فرخت الورشانة عمد الرجل أن يصعد إليها ، ووضع رجليه عليها ، وإذا بسائل على الباب ، فأمر امرأته أن تعطيه شيئا فقالت ليس عندي شيء فرجع الرجل ، فوجد لقمة فدفعها للسائل ، ثم صعد إلى تلك الشجرة ، وأنزل الأفراخ فرجعت الورشانة إلى سيدنا سليمان ، وأخبرته بذلك فغضب غضبا شديدا ، ودعا بالشيطانين فقال : عصيتماني . فقالا : ما عصيناك وإنا لزمنا تلك الشجرة ، فلما صعد الرجل جاء إلى بابه سائل ، فأعطاه لقمة من شعير ، ثم عاد فابتدرنا إليه لنأخذه إذ بعث الله ملكين : أخذ أحدهما بعنقي وألقاني في مطلع الشمس ، وأخذ الآخر صاحبي وألقاه في مغرب الشمس ، وهذا إذا كانت الصدقة من حلال ، وأما إذا كانت من حرام ، فلا ينتج إلا عذابا كما روي عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في جهنم بيتا يسمى بيت الحزن أعده الله لمن تصدق من مال حرام ) وعن الحسن البصري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من عبد ولا أمة تصدقا بلقمة من حرام على مسكين إلا أطعمهما الله يوم القيامة من الغسلين ، قيل : يا رسول الله وما طعام الغسلين ؟ قال : طعام خلقه الله تعالى من حديد يابس ، ويذاب من نار جهنم حتى يصير كالماء ، فإذا أكل منه ذلك الإنسان تقطعت أمعاؤه ، فتدخل اللقمة من فيه ، وتخرج من دبره وتناديه الزبانية ، هذا جزاء من كان يكتسب الحرام ويأكله ، ويتصدق منه ذلك بما كنتم تبغون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) اه . |
1 ( الباب الثامن عشر في فضيلة السلام ) 1
قال سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني : الابتداء بالسلام سنة ، ورده آكد
Página 36