وكان صفوان بن محرز، إذا جنه الليل يخور كما يخور الثور، ويقول: منع خوف النار مني الرقاد.
وكان عامر بن عبد الله يقول: ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها، فكان إذا جاء الليل قال: أذهب حر النار النوم، فما ينام حتى يصبح، وإذا جاء النهار قال: أذهب حر النار النوم، فما ينام حتى يمسي.
وروي عنه أنه كان يتلوى الحب في المقلى، ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي وروي عنه أنه قيل له: مالك لا تنام؟ قال: إن ذكر جهنم لا يدعني أنام.
وقال الحر بن حصين الفزاري: رأيت شيخًا من بني فزارة أمر له خالد بن عبد الله بمائة ألف، فأبى أن يقبلها، وقال: أذهب ذكر جهنم حلاوة الدنيا من قلبي، قال: وكان يقوم إذا نام الناس، فيصيح: النار النار النار.
وكان رجل من الموالي، يقال له صهيب، وكان يسهر الليل ويبكي، فعوتب على ذلك، وقالت له مولاته: أفسدت على نفسك، فقال إن صهيبًا إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طال نومه.
وعن أبي مهدي قال: ما كان سفيان الثوري ينام إلا أول الليل، ثم ينتفض فزعًا مرعوبًا ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ، ويقول على أثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار.
وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
وقال ابن المبارك أيضًا:
1 / 38