٣- قوله: (إنّ النُّزُول والصعود والحركة والسكون هي أدلة حدث العالم عند المحقّقين) ١، وهذه طريقة الأشاعرة في الاستدلال على حدث العالم ثم الاستدلال على وجود الله، ويسمّونه (دليل الحدوث والقدم) .
ومع ذلك فإنّه لا يجدر بنا أن نسند الرأي إلى الشخص لمجرد أنه ذكره في كتاب له، بل ينبغي أن نعرف أوّلًاَ الظروف التي أحاطت بالمؤلِّف حين ألّف الكتاب الذي نحن بصدده، هل ألّفه لنفسه أو لغيره؟ وتحت أي تأثير عامل من العوامل ألّفه؟ ٢.
فما هو ظاهر أنّ المؤلِّف ﵀ قد ألّف كتابه في الرّدّ علىاليهود والنصارى خاصّة، فهو يورد أحيانًا على الخصوم كثيرًا من الاعتراضات والآراء التي لا يرتضيها هو كدليل عقلي يمكن الاستدلال به على ما يريده، ولكن يورده على أنه يجوز أن يعارض بها الخصم ولا يستطيع الخصم أن يدفع معارضته بها، ومقصوده من ذلك أن يبيّن للخصم أن الآراء الباطلة كافية أن يدخض بضها بعضًا.
كما يبدو لي أنّ سبب تأثر المؤلِّف - عفا الله عنا وعنه - بمنهج الأشاعرة يرجع إلى نشأته وحياته في كنف الدولة الأيوبية التي كان ملوكها وقضاؤها قد تلقوا العقيدة الأشعرية وحفظوها من أساتذتهم، فحملوا كافة الناس في أيام دولتهم على التزامه في مواجهة المذهب الفاطمي الشيعي، وكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الإسلام بحيث نسي غيره من المذاهب وجهل٣.
_________
١ ر: ص: من الكتاب المحقَّق، وقد قمت بالتعليق على تلك المواضع ببيان مذهب أهل السنة والجماعة فيها وإبطال بعض شبه المخالفين، ولله الحمد.
٢ ر: مقدمة تحقيق د. سليمان دنيا لكتاب (تهافت الفلاسفة للغزالي) ص ٥٦،بتصرف.
٣ ر: خطط المقريزي ٣/٢٧٩، ٢٨٠، ٣٠٦.
1 / 40