وقد استطاع هو أن يقنع فايز أنه لو جعل له مراسلا في لندن وآخر في باريس لسبق المجلات المصرية في عرض أنباء العالم. وقد اقتنع فايز بهذه الفكرة، وخاصة بعد أن أصبحت مجلته عامة لا تقصر اهتمامها على الفن وحده. وطمع حامد أن يكون هو واحدا من هذين المراسلين. ولكنه وجد في فايز فتورا عن الاستجابة لمطلبه، وفي دربة الكلاب على الشم أدرك أن حلمي باشا لو أوصى به عند فايز فإن فايز لن يستطيع أن يتغاضى عن رجاء الوزير. وتكلم حامد مع صديقه عدلي وأصبح حامد مندوب المجلة في باريس.
أما حسن فقد أراد أن يكون مندوب المجلة في حرب فلسطين، ولكن فايز لا يستطيع أن يستغني عن خدمات حسن في القاهرة، فهو الذي يؤجر له الشقق وما ينتفع به في هذه الشقق، وهو الذي يعد له كل ما يحتاجه الأمر في أمسياته، ولكن حسن كان مصرا على أن يقفز حواجز الزمن، وكان يدرك أنه إذا لم يصنع في الصحافة ما يخشى الآخرون أن يصنعوه فلا فلاح له. وما دام قد صنع ما يخجل الآخرون أن يقوموا به فمن الطبيعي ألا يقف شيء أمامه بعد ذلك.
وتوجه إلى عدلي برجائه وتقرر أن يكون حسن مندوب المجلة في الحرب. •••
لم يكن حفني ليعنى بهذه الحرب في شيء، إلا أنه فوجئ بشوقي سلام يأتي إليه على غير موعد ببيته. - أنا وقعت من السما. - وأنا ألقاك. - أنا مسافر إلى فلسطين بعد يومين. - يا نهار اسود! - ولا اسود ولا حاجة، كل اخواني مسافرون. - من اخوانك هؤلاء؟ - ليس هذا هو المهم. - فما هو المهم إذن؟ - صاحبتي. - أحلام؟ - طبعا، وهل أعرف غيرها! - الآن لا. - إذن هي. - وما شأن أحلام بفلسطين. - هي عندي منذ ثلاثة أيام. - عندك! ألست متزوجا؟ - ماذا جرى لك؟ يا أخي أنت تفهمها وهي طائرة. - ولكن هذه ليست طائرة، هذه غير واضحة الرؤية مطلقا. - في شقتي الخاصة طبعا. - عظيم. - بل هباب! - لماذا؟ - كانت قالت لزوجها أنها ستذهب إلى أمها في الإسكندرية، بسلامته أخذ إجازة أمس وذهب إلى الإسكندرية ولم يجدها! أحد أصدقائي ... ماذا أقول ... أحد إخواني وشى بي. - أحد إخوانك. - ضابط زميلي كل نفسه حقد يحقد على أي سعادة مهما يكن مصدر هذه السعادة. المهم ليس هذا وقته، أرسل ورقة مجهولة إلى الزوج يخبره عن عنوان الشقة. - وكيف عرفت أن صديقك هذا الذي أرسل الورقة؟ - من حظي الأسود له صديق في نفس العمارة التي بها الشقة، ومن حظي الأسود أنه جاء يزور صديقه هذا فرآني مع أحلام، فهو الوحيد الذي كشف أمري. يا أخي ليس هذا هو المهم. - وما هو المهم؟ - أن نختفي. - أين؟ - في أي داهية. - ألم يأت الزوج إلى الشقة؟ - تنيل، أتى. - وأين كنتما؟ - كنا في أول الشارع قادمين إلى العمارة حين رأينا سيارته أمام الباب فادركت كل شيء. - والآن؟ - أبحث لي عن مخبأ. - هيا بنا. - إلى أين؟ - إلى العزبة. - هيا. - أين أحلام؟ - تحت في السيارة. - سأذهب أنا في سيارتي وتلحق بي أنت في سيارتك. - لماذا؟ - حتى تكون عندنا حرية الحركة. - لك حق فإن صديق الحقد الذي كلمتك عنه يعرف صلته بك، ولا تستبعد أن يرسل ورقة ليرشد الزوج عن العزبة. - هيا.
وقبيل الغروب شهد منزل الوسيمي ببلدتهم الرمايحة سيارتين ينزل عنهما ثلاثة نفر، وجرى عبد المعين خادم المنزل ففتح الباب وقال حفني: كيف حالك يا عبد المعين؟ - بخير يا سعادة البك، ربنا يبارك فيك.
وصاح شوقي: اسمه عبد المعين.
وقال عبد المعين: خادمك يا سعادة البك.
قال شوقي: ربنا يستر. أخشى أن يكون هو عبد المعين صاحب المثل المشهور.
وضحك حفني قائلا: لا تخف ، فهو عند الشدة يعجبك. اعمل لنا عشاء يا عبد المعين. - أمرك يا بك. - وجهز حجرتي لشوقي بك والست زوجته، وأنا جهز لي حجرة من حجر الضيوف. - أمرك يا بك. سعادتك ستتعشى هنا أم في الدور الأعلى. - هنا. - وصاح شوقي: في الدور الأعلى، في الدور الأعلى أنا في عرضك.
ونظر إليه حفني وسكت لحظة، ثم أدرك ما يعنيه وقال: وهو كذلك في الدور الأعلى، واسمع يا عبد المعين، قل لسعدون يفتح الجراج. - أمرك يا بك.
Página desconocida