العلماء) في ذلك، الإجماع، وهو قول القاضي أبي بكر، ومنعها غيره لكن بدليل العقل مع الإجماع، وهو قول الكافة واختاره الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني (سيأتي ذكر دليلهم).
وأما الصغائر فجوزها جماعة من السلف وغيرهم وهو مذهب أبي جعفر الطبري وغيره من الفقهاء والمحدثين، والمسلمين، وذهبت طائفة أخرى إلى الوقف، وذهبت طائفة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر قالوا: لاختلاف الناس في الصغائر (أي: وجودها) وتعيينها من الكبائر؛ لقول ابن عباس وغيره: إن كل ما عُصي الله به فهو كبيرة، وقال القاضي عبد الوهاب: لا يمكن أن يقال: إن معاصي الله صغيرة إلا على أنها تغتفر باجتناب الكبائر، واستدلَّ بعض الأئمة على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم واتباع آثارهم، وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مال والشافعي وأبي حنفية من غير التزام قرينة (أي: دالة على إرادة امتثال أفعالهم) وحكى ابن خُويز منداد، وأبو الفرج عن مالك: التزام ذل وجوبًا وهو قول الأبْهُرِي وابن القصَّار، وأكثر أصحابنا وأكثر أهل العراق وبعض الشافعية، وذهب أكثر الشافعية إلى أنه ندب.
قال: ونزيد هذا حجة بأن من جوز الصغائر ومن نفاها عن نبينا ﷺ مجمعون على أنه لا يقر على منكر من قول أو فعل، وأنه متى رأى شيئًا وسكت عنه دل على جوازه، فكيف يكون هذا حاله في حق غيره ثم يجوز وقوعه منه.
قال: فبَانَ بذلك عظيم فضل الله على سائر أنبيائه ﵇ أن جعل أفعالهم قربات وطاعات بعيدة عن رسم المعصية.
ثم قال: فقد علم من دأب الصحابة الاقتداء بأفعال النبي ﷺ كيف توجهت كالاقتداء بأقواله، فقد نبذوا خواتمهم حين نبذ خاتمه، واحتج غير واحد منهم في غير شيء مما نابه من العبادة أو العادة، بقوله: رأيت رسول الله ﷺ فعله، والآثار في هذا أعظم من أن نحيط بها لكنه يعلم من مجموعها على القطع اتباعهم أفعاله واقتداؤهم بها. ا. هـ.
ولم ينقل عن سلف لعياض مثل هذا القول إلا ما نسب إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (دون استدلال)، وأما ما نقل عن الشهرستاني مما يماثل قول الأستاذ فذلك قد كان في عصر عياض؛ لأنه معاصر للشهرستاني، وعياض أسبق ولادةً
1 / 46