/ص147/ ووجدت الذي من الحاجة بنا إلى الكلام عليه يدور فيه على وجهين: أحدهما: هل صح من طريق الأثر أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ كتب بيده، وخط بقلمه بعد ثبات النبوة وقيام الدليل عليها، وجاء ذلك عن أحد من العلماء الموثوق بهم، أو ادعى ذلك أحد ممن أدركناه، وجعل خطه بيده بعد النبوة معجزة له_ صلى الله عليه وسلم_ كما كان قبل النبوة من دلائل نبوته كونه لم يقرأ كتابا ولا خطه بيمينه؟ والوجه الثاني: هل جواز ذلك عليه_ صلى الله عليه وسلم_ يقدح في نبوته، ويوجب اللبس فيها، أم لا يوجب ذلك؟ وأنا أتكلم على أمرين، وأذكر ما عندي في الوجهين وأدل على الصحيح في ذلك أن شاء الله، وبالله التوفيق. أما الجواب عن الوجه الأول: فهو انا لا نعلم خبرا مفسرا أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ خط بعد النبوة وقبل وفاته، لا في صحيح الأخبار ولا في سقيمها. ولا أعلم أحدا ممن أدركنا، وممن مضى من العلماء ذكر ذلك وجعله من معجزاته. وقد ذكر المتكلمون وغيرهم من أهل العلم بمعجزات النبي_ صلى الله عليه وسلم_ فما علمت ولا سمعت (¬1) أن أحدا جعل منها أنه خط بيمينه/ وكتب قبل موته، /ص148/ وهذا مستقر العادة، لا يصح أن يترك ولا يذكره ويدور على حسب ما ذكرت معجزاته_ صلى الله عليه وسلم_ لأن سبيلها عند الناس على باب واحد في اشاعة أمرها ونقلها، بل أنه مروي في بعض التفاسير، وأراه في كتاب تفسير القرآن للنقاش، أن الشعبي قال: (ما مات النبي_ صلى الله عليه وسلم_ حتى كتب) (¬2) ولم يقل: أن ذلك من معجزاته الدالة على نبوته. وهذا لا يصح عن الشعبي_ والله أعلم_ ولو صح، لم يعرج عليه والداليل على بطلان هذا، أن معجزات النبي_ صلى الله عليه وسلم_ منقولة من طريقين: أحدهما: الخبر المتواتر المقطوع به المعلوم ضرورة. والضرب الثاني: جاء من طريق الآحاد، لكن قام الدليل على صحته، كمثل النقل: أنه_ عليه السلام_: " نبع الماء من بين أصابعه في الغزاة الفلانية بحضرة الجمع العظيم". وأشبع الجمع الكثير من الطعام القليل. "وحن إليه الجذع" ونحو ذلك مما تقله الآحاد، وادعوا أن ذلك بحضرة الجم الغفير الذين لا يصح منهم التواطؤ على ايراد ما لا أصل له، ولا ترك نفي الكذب الذي ادعي عليهم، فهذه الأدلة هي التي دخلت على قول خبر الواحد في المعجزات التي ذكرناه فصح الأثر فيها بهذه الطريقة، وهذا غير موجود في كون النبي_صلى الله عليه وسلم_ خط بالقلم، وكتب بعد نبوته وقبل وفاته. اذ لم يرد (¬1) بهذا أخبار تواتر، ولا أخبار آحاد. فما قام الدليل على قبولها بالوجه الذي ذكرنا. وهذا الذي يعتمد عليه في اثبات المعجزات، هو الذي يوجب طرح التعلق بظاهر الخبر الذي في البخاري، /ص149/ وهو الخبر الذي ذكر فيه أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ لما محى اسمه من الكتاب كتب. وإنما يعني الراوي: أنه أمر أن يكتب، لأنه لم يقل: في الحديث أنه كتب بيده. وهو كما ذكرت أنت أنه مستعمل في اللسان العربي. يقولون: ضرب الأمير اللص، وما ضربه بيده.
Página 102