عاد الكلام بعد الوعد والوعيد إلى ذكر بني إسرائيل، فقال تعالى: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل يعني عهدهم. وقيل: الميثاق هو الأدلة من جهة العقل والشرع، وقيل: الوعيد المقرون بالأوامر والنواهي. وقيل: هو مواثيق الأنبياء عليهم السلام على أممهم. وقيل: أخذنا عهدهم في التوراة، والميثاق العهد الشديد، عن ابن عباس. وقيل: إقرارهم لأنبيائهم، وقبولهم ما في كتابهم، عن الأصم وأبي علي، وقيل: العهد والميثاق لا يكون إلا بالقول، كأنه قال: أمرناهم ووصيناهم، وقلنا لهم، وأكدنا عليهم، لا تعبدون إلا الله أي توحدونه وتخلصون له العبادة وبالوالدين إحسانا يعني: ووصيناهم بالوالدين، برا بهما وعطفا عليهما وذي القربى ذوي القرابات واليتامى الأطفال الذين ماتت آباؤهم والمسماكين يعني الفقراء وقولوا للناس حسنا قيل: فيه حذف أي: قلنا لهم: قولوا، عن أبي علي، وقيل: الميثاق لا يكون إلا كلاما، كأنه قيل: قلنا: لا تعبدوا، وقولوا، واختلفوا في معنى حسنا، فقيل: يعني صدقا وحقا في شأن محمد - صلى الله عليه وسلم - فمن سألكم فاصدقوا وبينوا صفته، ولا تكتموا أمره، عن ابن عباس وابن جريج وسعيد بن جبير ومقاتل، وقيل: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، عن سفيان. وقيل: الدعاء إلى الله تعالى كما قال: (ادع إلى سبيل ربك) عن الأصم وجعفر بن مبشر. وقيل: قولوا لهم قولا حسنا، ثم اختلف هؤلاء، فقيل: هو عام في المؤمنين والكفار، عن محمد بن علي وأبي عبيدة، وقيل: خاص في المؤمنين، ثم اختلف من قال: إنه عام هل هي ثابتة أم منسوخة؟ فقال ابن عباس وقتادة: نسختها آية السيف، وقال أكثر أهل العلم: ليست بمنسوخة؛ لأنه يمكن قتاله مع حسن القول، وما هذا حاله فلا ينسخ أحدهما الآخر.
ومتى قيل: كيف يصح وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون على الحكاية؟
قلنا: لأن الحكاية على ثلاثة أوجه: حكاية اللفظ والمعنى، كقولك: قال زيد: عمرو عالم.
والثاني: على المعنى بلفظ يقوم مقام المحكي لا بصورته بعينها، كقولك: قال زيد: عمرو عارف، وكان قال: عالم.
الثالث: الحكاية على المعنى بما ليس بمنزلة الأول، لكن يفهم منه معناه، كقولك: قال زيد: عمرو من العلماء، وكان قال عارف، وهذه الآية من هذا القبيل، لأنه يفهم منها معنى لا تعبدوا إلا الله، كأنه قيل: والله لا تعبدوا إلا الله.
Página 466