كيف في الأصل سؤال عن الحال يوضح ذلك الجواب إذا قيل: كيف رأيت زيدا؟ فتجيب بأحواله: مسرورا أو مهموما وما أشبهه، و(كيف) ينتظم جميع الأحوال، كما أن (كم) ينتظم جميع الأعداد، و(ما) ينتظم جميع الأجناس، و(أين) ينتظم جميع الأماكن، و(من) ينتظم جميع ما يعقل. (كان): شبيه فعل ماض، وعمله أن يرفع الاسم وينصب الخبر، تقول: كان زيد قائما، وتصريفه: كان يكون كونا فهو كائن، و (كان) على أربعة أوجه: تامة، وناقصة، وزائدة، ومضمنة، فالتامة هي المكتفية باسمها دون خبرها، كقولك: كان القتال، يعني حدث ووقع، والناقصة: هي التي لا تتم دون خبرها كقولك: كان زيد أميرا، والزائدة: ما يكون دخولها كخروجها إلا بمقدار ما توجبه من التوكيد، كقولك: ما كان أحسن زيدا!، ومنه: (من كان في المهد صبيا (29)
أي كيف نكلم من في المهد صبيا، والمضمنة: هي التي يضمن فيها ضمير يفسره ما بعده، وسمي ضمير المجهول؛ لأنه يضمن عن الذكر على شريطة التفسير. حكى سيبويه: كان أنت خير منه، كأنه قال: الأمر والقصة، ثم فسره فقال: أنت خير منه، وهو إن كان يتصرف تصرف الفعل فليس بفعل على الحقيقة وإنما يدل على الزمان، ويدخل على الابتداء والخبر، قلت: زيد مسرور، ثم تقول: كان زيد مسرورا، كأنك تريد فيما مضى من الزمان، وتدخل زائدة للتأكيد، وتعمل كقوله: (إن الله كان عليما خبيرا)
ويقال: لم جاز تقديم خبر (كان) دون (ليس)؟
قلنا: لأن (كان) تتصرف فجاز تقديم خبره، تقول: راكعا كان زيد، و(ليس) لا يتصرف.
ويقال: ما الواو في قوله: (وكنتم)؟
قلنا: قيل: واو الحال، عن الفراء والزجاج، وقالا: لا بد من إضمار، كأنه قيل: وقد كنتم أمواتا، كقوله: (أو جاءوكم حصرت صدورهم) أي قد حصرت، وموضع الواو على هذا القياس نصب، كأنه قيل: كيف تكفرون بالله كائنين أمواتا مرة وأحياء مرة.
* * *
(المعنى)
Página 303